بلد عربي يتعرض فيه الرجال للتحرّش الجنسي أكثر من النساء!

جاد محيدلي

نشرت شبكة "بي بي سي" والبارومتر العربي استطلاعاً أجري في عشر دول عربية والأراضي الفلسطينية، يشير إلى أن عدد الرجال الذين يعترفون بأنهم تعرضوا للتحرش الجنسي في الأماكن العامة في العراق يفوق عدد النساء، إذ بلغت النسبة 20% لدى الرجال و17% لدى النساء. كما يشير الاستطلاع إلى أن نسبة الرجال العراقيين الذين تعرضوا للعنف الأسري تزيد قليلاً عن نسبة النساء. وفي كل الدول التي شملها الاستطلاع باستثناء العراق وتونس، تفوقت نسبة النساء على نسبة الرجال في هذا الشأن. وعلى عكس العراق، الفرق بين النسبتين لا يتعدى واحداً بالمئة في تونس. وفي المجتمعات التقليدية تقبل النساء العنف باعتباره آلية من آليات الحفاظ على المجتمع الأبوي. ولذلك يعمدن إلى عدم الجهر بأي عنف قد يتعرضن له. وفي هذا الإطار، تتبنى الناشطة النسوية العراقية هناء إدوارد هذا التفسير. فمن خلال عملها في جمعية أمل النسوية ترصد تردّد النساء العراقيات في الإبلاغ عن حالات التحرش والعنف الأسري بسبب الخوف من تعريض أنفسهن وأسرهن للفضائح ووصمة العار،  رغم استحداث إدارة في وزارة الداخلية، وهي مديرية حماية الأسرة، ومن مهامها تلقي بلاغات العنف ضد المرأة. وتستشهد إدوارد بمثال شابة صارت بلا مأوى بعد أن اضطرت للهرب من منزل أسرتها خوفاً من الانتقام لأنها أبلغت عن وقوعها ضحية للعنف الأسري.

أما الكاتب العراقي، زهير الجزائري، فيقول: "بسبب الوضع الأمني غير المستقر صارت النساء يخشين الشارع. حضور المرأة في الفضاء الخارجي قليل بسبب الأمن. وهذا قد يجعل الرجال أكثر عرضة من النساء للتحرش والعنف في الأماكن العامة". وعلى سبيل المثال، هناك شاب من بغداد حاصل على شهادة جامعية وناشط سياسي كان ضحية للتحرّش والاغتصاب. ويروي الشاب العشريني لـBBC وقائع التحرش التي تعرّض لها وتفصل بينها ثلاثة أعوام. أولاها حدثت حينما كان تلميذاً في الثالثة عشرة من عمره. ويقول: "دخلت إلى دورة مياه المدرسة، فإذا بثلاثة فتيان في الـ15 و17 ربيعاً يضعونني في زاوية ويتحسسون جسدي... كنت طفلاً فلم أكن أعرف ماهو الجنس". ويروي الشاب أنه الفتيان فُصلوا من دون إخطار أولياء أمورهم أو ذكر سبب فصلهم. أما هو فالكل كان ينظر إليه كشريك في الحادث لا كضحية. لم يكد ينسى الحادث الأول، حتى تعرض للحادث الثاني بعدها بعامين حينما كان يعمل في متجر في بغداد. ويقول: "غمرني صاحب المتجر بالعناية والاهتمام... وفي يوم من الأيام حاول الاعتداء عليّ جنسياً ثم خاف وتراجع بعدما هاجمته بإناء زجاجي". وبعد مرور عام قضاها من دون عمل، حدثت الواقعة الثالثة في متجر بجوار مسكنه يملكه رجل خمسيني قام بملاطفته وتقبيله بالقوة. ولم تكد تمر أربعة شهور على الحادثة حتى وقع الشاب ضحية للاغتصاب على يد أحد أقاربه الذي كان يكبره بثمانية أعوام. ويقول الشاب: "المشلكة ليست في القانون بل في القائمين عليه. إذا تقدم رجل بالإبلاغ عن تعرضه للاغتصاب فالأرجح أن الشرطي سيسخر منه ويوبّخه. ليس هناك ثقافة تؤمن بضرورة إنزال العقاب بمرتكبي العنف الجسدي ضد الرجال. فغالباً ما تنظر الشرطة إلى ضحايا الاغتصاب من الرجال على أنهم شركاء في الجريمة، وتُدرجها كفعل من أفعال المثلية الجنسية".

يقول الكاتب زهير الجزائري إن المجتمع العراقي صار "أكثر رجولية وأكثر عنفاً بسبب الحروب المتتالية". ويضيف أن الشارع صار ساحة للعراك بين الشباب و"العنف صار جزءاً من حياتنا". وفي مجتمع ذكوري عنيف يكون الفقراء أكثر عرضة من غيرهم للعنف الجسدي. أما الصحافية العراقية ميادة داود وهي عضو قي شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج)، فتقول إن كثيراً من الفتيان والأطفال الفقراء يتعرضون للاستغلال الجنسي من قبل أصحاب العمل أو الرجال الذين يسيطرون على الشوارع ضمن عصابات منظمة. في إقليم كردستان العراقي، تشير أرقام أصدرها اتحاد رجال كردستان إلى أن عام 2018 شهد تسجيل خمس حالات قتل لأزواج على يد زوجاتهم، وتسع حالات اعتداء من قبل نساء على رجال. ويقول الاتحاد في بيانه الذي أصدره في نهاية العام الماضي إن حالات العنف ضد الرجال في تزايد مستمر عاماً بعد آخر، مشيراً الى تسجيل 585 شكوى من قبل رجال ضد نساء العام الماضي، وتسجيل نحو 600 دعوى للرجال ضد زوجاتهم خلال عام 2017. وحسب الإحصائية، فقد تم تسجيل 2690 حالة عنف ضد الرجال خلال الاعوام بين 2014 وخلال الاعوام بين 2014 و2018،  وأقدم 393 رجلاً على الانتحار، و29 حالة قتل لرجال على أيدي نساء. ويعتبر الاتحاد أن تزايد العنف الأسري ضد الرجال يعود إلى الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الإقليم، ومن بين أسبابها تأخر دفع الرواتب الحكومية، والخلاف بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد، وأدت الأزمة الاقتصادية إلى وقوع مشكلات أسرية.