الشقق ستصبح سجوناً... هذا ما ينتظرنا في المستقبل!

جاد محيدلي

يزداد عدد السكان حول العالم، بينما الأماكن السكنية تتناقص باستمرار والشقق ترتفع أسعارها. ولئن لا يوجد حل يلوح في الأفق، قرر بعض المعماريين بناء شقق سكنية شديدة الصغر تشبه الزنازين والسجون. أتاحت المشاكل السكنية واكتظاظ المدن في أميركا اللاتينية فرصة جديدة أمام مقاولي البناء لتحقيق أرباح تجارية، من خلال بناء شقق سكنية صغيرة في وسط المدن تستهدف الطلبة والموظفين الشباب.  لا تزيد مساحة بعض تلك الشقق على عشرة أمتار مربعة، أي ما يعادل مساحة انتظار سيارة واحدة. ويقول ألكسندر فرانكل، المدير التنفيذي في شركة فيتاكون المسؤولة عن مشروع للإسكان الصغير بمدينة ساو باولو البرازيلية، لـBBC إن "تلك المساحات هي الأصغر في أميركا اللاتينية كلها". ولا يقتصر التوجه نحو المساحات السكنية الضيقة على مدينة ساو باولو فحسب، بل امتد ليشمل مدناً أخرى مثل بوينس آيرس وبوغوتا ومكسيكو سيتي، إذ يعلق الناس بالمواصلات إلى نحو ثلاث ساعات قبل الوصول إلى وجهتهم، ويفضلون السكن في وسط المدينة قرب عملهم وأماكن دراستهم، كما لايستطيع الموظفون والعمال، بسبب متوسط أجورهم، تحمّل تكلفة السكن الأكبر قرب وسط المدينة. لذلك تعتبر هذه الشقق حلاً لهؤلاء الأشخاص.

بعض المعماريين يشبّهون هذه الشقق السكنية الضيقة بالزنازين، بينما يرى البعض الآخر أنها تمثل حلاً مريحاً جداً لمشكلة الإسكان في المدن التي يتوقع أن تتفاقم، كما يؤكدون أن هذا الحل هو المستقبل وكل مدن العالم ستشهد بناء هذه الشقق.  ويعتبر العلماء بحسب BBC أن هذه الشقق هي نتاج طبيعي لاقتصاد جديد يشهد تحول أعداد كبيرة من الشباب إلى العمل المستقل وتأخر الإنجاب ومشاركة أماكن العمل مع آخرين بعيداً عن المكاتب التقليدية. ويتجه معماريون حالياً إلى تصميم أبنية تجمع بين شقق سكنية شديدة الصغر ومساحات مشتركة كبيرة يتجمع فيها السكان في غير أوقات النوم.  ويقول فرانكل لبي بي سي: "ينام الناس في شققهم أما بقية البناية فهي عبارة عن جزء من مسكنهم أيضاً. سأجعل الشقق أصغر مساحة إن استطعت لكن القانون لا يسمح بأقل من 10 أو 11 متراً".

بدأت الوحدات السكنية الصغيرة في الانتشار في مدن أخرى بأميركا اللاتينية، ولكن بمساحات أكبر قليلاً تناهز عشرين متراً مربعاً للوحدة. يشار الى أنه توجد في مدن مثل طوكيو، المعروفة بإيجاراتها الباهظة وأعلى مدن العالم من حيث اكتظاظ السكان، وحدات سكنية متناهية الصغر قد تصل مساحتها إلى ثمانية أمتار مربعة. وتشهد العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس مشروعات عقارية شبيهة، بعضها في الأحياء الراقية وبعضها الآخر في مناطق سكن الطبقات المتوسطة. ويقول بابلو برودسكي، المدير التجاري بشركة بريدايال التي تبيع شققاً شديدة الصغر بمساحات من 18 إلى 30 متراً مربعاً بأسعار تبدأ من 40 ألف دولار للشقة، إن الشركة تطرح "وحدات لخدمة أبناء الطبقة المتوسطة ممن لا يتوافر لهم السكن ولا يمكنهم الشراء في وضع السوق الحالي، فقد باتت المدن طاردة للسكان، لذا فإن الشقق الصغيرة هي الحل".  كما أنشأت شركات أخرى مشروعات في مناطق أكثر رقياً مثل حي بلغرانا وحي باليرمو في بوينس آيرس تضم وحدات لا تقل مساحتها عادة عن 20 متراً مربعاً، بأسعار تبدأ من 55 ألف دولار للوحدة. ويكون مشترو تلك الوحدات عادة من المستثمرين الذين يرغبون في تأجيرها على مواقع مثل "آير بي إن بي" أو كمكاتب. كما يشتري موظفون شباب وآباء طلبة وأمهاتهم تلك الوحدات ليسكنها أبناؤهم حين ينتقلون للعيش قرب الجامعات. وكانت السلطات في بوينس آيرس قد أقرت لوائح جديدة قبل أشهر قليلة تسمح ببناء تلك الشقق في العاصمة، ومن المتوقع أن تشهد المدينة مشروعات أخرى شبيهة كما من المتوقع أن تنتشر هذه الفكرة في معظم مدن وعواصم العالم.