ذكرى إنزال الحلفاء تنعش قطاع السياحة في نورماندي

يشكّل قطاع السياحة المرتبط بذكرى إنزال الحلفاء على شواطئ نورماندي محرّك الاقتصاد في المنطقة وباتت الخدمات التي يعرضها تتخّذ أشكالا متنوعة لدرجة مثيرة للجدل.

بدأت الطفرة السياحية في العام 1994 مع الاحتفالات بالذكرى الخمسين لإنزال النورماندي بمشاركة المئات من قدامى المحاربين في الصفوف الأولى لأول مرة في التاريخ.

وفي العام التالي، زار حوالى 2,9 مليون شخص المنطقة لاستكشاف مخلّفات الحرب، وهو رقم نما بشكل مطرد إلى ما يقرب من خمسة ملايين زائر سنويا.

وقالت دومينيك سوسي الخبيرة في مجريات إنزال النورماندي في مجلس السياحة المحلي "المتاحف الاولى أنشئت بعد أربع أو خمس سنوات من انتهاء الحرب، في البداية من جانب هواة الجمع المحليين الذين جمعوا ما خلّفه الجنود، ولاحقا من جانب المؤسسات المحلية".

وشهد قطاع السياحة المرتبط بذكرى الحرب انتعاشا كبيرا مع افتتاح متحف كاين التذكاري الرسمي في العام 1988 الذي يجذب حاليا حوالى 370 ألف زائر في السنة.

لكن مقابر الجنود الجماعية هي التي جذبت منذ وقت طويل أكبر عدد من الزائرين، خصوصا المقبرة الأميركية في كولفيل-سور-مير التي زارها 1,4 مليون شخص العام الماضي وحيث يرقد رفات 9300 جندي.

أما الجنود البريطانيون المقدرّ عددهم بنحو 22 الفا، فرفاتهم موزّع على 18 مقبرة. وراحت المقبرة الألمانية في لا كامب التي تضمّ 21 قبرا تستقطب في السنوات الأخيرة عددا متزايدا من الزوار بمعدّل 450 ألفا كل سنة.

وقالت سوسي "لفترة طويلة من الوقت كنا نركز على الزوار من الحلفاء لكننا أصبحنا نتكلم اليوم عن جمهور ألماني أيضا".

وفي العام 2017، كان 20 % من السياح الآتين إلى نورماندي للاطلاع على تاريخ الحرب بريطانيين، مقابل 15 % من الهولنديين و14 % من الأميركيين و11 % من الألمان و10 % من البلجيكيين، بحسب مجلس السياحة المحلي.

لكن إلى جانب عشرات النصب التذكارية والمواقع التاريخية، راحت تنتشر في المنطقة في الفترة الأخيرة فعاليات سياحية من نوع جديد مع تسويق تذكارات وعرض جولات بدبات أو بمركبات رباعية الدفع وحتى نشاطات ترفيهية لمحاكاة ما حدث في تلك الفترة.

وقال إيمانويل آلان مدير متحف مظليي 1944 "دي-داي إكسبيريينس" الذي يعرض تجربة محاكاة لرحلة في طارئة "سي 47" الحربية في كارانتان-لي-ماري (شمال غرب فرنسا) "يقضي هدفنا بإحياء التجربة التي خاضها المظليون الاميركيون ليل 5 إلى 6 حزيران لحض الأجيال الشابة على التفرّج لاحقا على واجهات المتحف".

ويقع هذا المجمّع الذي تكلّف بطاقة الدخول إليه 13 يورو على مسافة حوالى عشرة كيلومترات من سانت-مير-إغليز حيث أنزل 12 ألف مظلي أميركي بواسطة طائرات"سي 47" ليل 5 إلى 6 حزيران/يونيو.

ومنذ إطلاق هذه التجربة في العام 2015، بات المتحف يستقبل سنويا 130 ألف زائر، مقابل 20 ألفا في السابق.

ويعرض متجر التذكارات فيه لعبة مونوبولي خاصة بإنزال النورماندي وخوذة بسعر 7500 يورو وسترة معروضة بـ 14500 يورو.

وعلى مسافة بضعة أمتار من الموقع، يستعدّ مركز "بلوكهاوس" للنشاطات الترفيهية لفتح أبوابه. وفي متحف "نورماندي فيكتوري ميوزيوم"، توفّر جولات بمركبات مصفّحة بسعر 39 يورو لكل عشر دقائق.

وبين كارنتان وسانت-مير، تقام جولات ليليّة بسيارات رباعية الدفع في أجواء تحاكي إنزال الجنود بكلفة 400 يورو للمجموعة الواحدة.

وقالت سوسي "في وقت نخسر فيه أفرادا من قدامى المحاربين، ينبغي لنا ان نتوجّه إلى الشباب مع زيارات تستهدف جيلا لا تربطه أي روابط عائلية أو عاطفية بالإنزال".

 

غير أن خبراء كثيرين ينددون بهذه المقاربة باعتبار أنها تحطّ من شأن التضحيات التي قدّمها الآلاف من جنود الحلفاء الذين واجهو طغيان النازية في معارك نورماندي.

وقال ستيفان غريمالدي مدير متحف كاين التذكاري "هم يكذبون على الناس. من غير الممكن نقل تجربة القتال، حتى أن الكمات تعجز عن وصفها".

غير أن متحف كاين الذي شهد ركودا في نسب الإقبال خلال السنوات الأخيرة، يعتزم بدوره فتح صالة سينما بالتقنية الانغماسية لاستذكار مجريات إنزال النورماندي.

ويلفت النقاد أيضا إلى المغالطات التاريخية في الكثير من المتاحف والنشاطات ذات الصلة، كالقول إن سانت-ماري-دو-مون كانت أول بلدة محرّرة في البرّ الرئيسي لفرنسا، محلّ رانفيل.

وقال برتران لوجاندر الأستاذ المحاضر في جامعة باريس 12 الذي أصله من سانت-مير-إغليز حيث تجاور حانات البيرة المخصصة لذكرى الإنزال محلات التذكارات العسكرية "بات الأمر أشبه بمتنزه ترفيهي كبير مع خطر تناسي البعد المأساوي" للحرب.