220 مرآة في متحف ريتبيرغ بزيوريخ تصرخ في النظرات والوجوه: حرِّروني أيها النرجسيون

زيوريخ - أوراس زيباوي

افتتح في متحف ريتبيرغ في مدينة زيوريخ السويسرية معرض جديد بعنوان "مرايا: انعكاسات الكائن البشري"، يعدّ الأول من نوعه في العالم من حيث الحجم ويتمحور حول التاريخ الثقافي للمرآة، استعمالاتها، رموزها ودلالاتها منذ الفراعنة وبلاد ما بين النهرين الى حضارة المايا في المكسيك فاليابان وإيطاليا وخصوصا مدينة البندقية، وكيف تحضر أيضا في الفنون البصرية والأفلام السينمائية الحديثة.

يتألف المعرض من 220 قطعة فنية جيء بها من حوالى مئة متحف من العالم وتعكس كيف كانت الصناعة الحرفية للمرآة في الأزمنة القديمة وكيف أصبحت اليوم جزءا من التكنولوجيا الحديثة. من المرآة في الواقع والأساطير وخصوصا أسطورة نرسيس الذي غرق في صورته التي عشقها وتعذر عليه بلوغها، الى المرآة الضخمة التي تشكل عين المسبار الفضائي "هابل" التي تنفذ إلى أعماق الكون البعيد.

يكشف المعرض منذ البداية عن وظيفة المرآة بما هي الطريق الى معرفة الذات والتعرف إليها. المرآة الأولى بالنسبة الى الطفل الرضيع هي وجه أمه ووجوه الأشخاص المحيطين به. يؤكد العلم الحديث اليوم كيف يتماهى نظر الأم مع وليدها من خلال ملامح الوجه والانفعالات، ومنذ الشهر الثامن عشر من عمرهم يبدأ الأطفال بالتعرف الى أنفسهم في المرايا. معرفة الذات بهذه الطريقة تعتبر حجرا أساسيا في بناء الذات ونموها وهي تترافق مع النمو الذهني والمعرفي، كما تساعد في تعريف الأنا بالآخر. التساؤلات الأولية المتعلقة بالمرآة وبالعلاقة بالآخر، طرحها الفيلسوف اليوناني سقراط نفسه في القرن الرابع قبل الميلاد من خلال سؤال آخر جاء فيه "هل لاحظت كيف أنك، كلما نظرت الى عين أمامك، ظهر وجهك في العين كما لو أنه في مرآة"؟ إنها رؤية الذات إذاً، التي تحتاج الى عين أخرى.

هذا الكلام يطالعنا بصيغة مختلفة في القرن التاسع عشر مع الشاعر الفرنسي رامبو القائل "أنا هو آخر". المرآة هي إذاً عتبة للتعرف الى الذات، وهي أيضا علاقة الانسان مع الوقت العابر. المرأة هنا تحمل في يدها اليمنى مرآة وتنظر من خلالها الى جمالها العابر والوقت العابر. في هذا السياق نشاهد المقطع الأخير من فيلم المخرج الأميركي أورسون ويلز، "سيدة من شنغهاي"، التي تقوم بدور البطولة فيه ريتا هيوارث. في هذا المقطع من الفيلم الذي يعدّ من أشهر اللقطات في تاريخ السينما، تطالعنا ريتا هيوارث في متاهة من المرايا وهي تقتل زوجها الذي يطلق النار عليها في الوقت نفسه.

يقدم هذا المعرض صورة مدهشة عن مرايا العالم عبر التاريخ. وتحضر أمامنا المرآة البركانية السوداء التي تعود الى سبعة آلاف سنة وتم اكتشافها في مقابر في بلاد الأناضول وهي من أقدم المرايا المكتشفة في العالم، بالإضافة الى الحضارات الما قبل كولومبية ومراياها من الحجارة المصقولة. من بلاد ما بين النهرين ومصر والصين تطالعنا قطع ترجع الى الألفية الثالثة قبل الميلاد كانت تستعمل لأغراض عدة طقوسية وجمالية في الوقت نفسه. ولم تعرف أوروبا صناعة المرايا من خلال صناعة الزجاج وتحويله الى مرايا إلا بدءا من القرن الثالث عشر.

معرض "مرايا" في متحف ريتبيرغ السويسري هو معرض للمرآة في معانيها المختلفة، ماضيا وحاضرا. يركز على استعمالاتها في مجالات الحب والإغواء والجمال، منذ المرحلة الرومانية وآلهة الحب فينوس حاملة المرآة، كما طالعتنا بالأخص في أعمال كبار الفنانين الأوروبيين ومنهم الإيطالي تيسيانو والاسباني فيلاسكيث، وصولا الى يومنا هذا مع الصورة الفوتوغرافية وعدسة الهواتف المحمولة وملايين "السيلفي" التي تُلتقط عبر العالم وينظر من خلالها الناس الى أنفسهم وفيها تتمرأى وجوههم فيها.