40% فقط من الشركات والأفراد يدفعون الضرائب... \r\nمليار و500 مليون دولار قيمة التهرّب من تسديد TVA

في حين تعكف الحكومة على متابعة إنجاز الموازنة وخفض العجز إلى حدود الـ8% من خلال التوازن بين الإجراءات التقشفية من جهة، وخطوات تهدف إلى رفع الإيرادات، وأهمها مساهمة المصارف في زيادة المداخيل.

يقترح البعض زيادة الضريبة على أرباح الفوائد، في حين يقترح آخرون استبدال دين لمصلحة الدولة بفوائد عالية إلى دين بفوائد أدنى في موازاة ضخ مشاريع استثمارية أقرها مؤتمر "سيدر"، فكان القرار برفع الفائدة على أرباح المصارف والمودعين من 7 إلى 10% بما يؤمن للخزينة وفق التوقعات نحو 500 مليون دولار.

وإذا كانت المصارف، تبدي استعدادها المشاركة في الانقاذ، الا انها تتحفظ بشدة عن رفع الضريبة على الفوائد المصرفية في وقت يسجل ميزان المدفوعات عجزا متفاقما واستثنائيا، على نحو قد ينفّر المودعين من المغتربين والعرب، ويزيد في تراجع التدفقات المالية الوافدة. إذ وفق مصادر مصرفية، فإن القرارات التي تتخذ على الورق (كتقديرات نظرية لإيرادات مرتقبة ومحتملة) لا تترجم على ارض الواقع، بدليل أن ايرادات الغرامات على الأملاك البحرية وزيادة الـVAT والإيرادات العقارية بلغت صفراً من جراء الركود الاقتصادي.

كما أن استعدادها هذا مرتبط بالمدى الذي ستبلغه الزيادة الضريبية على أرباح الشركات، التي اشيع أنها سترتفع من 17 إلى 20%. وهذا الامر تعارضه المصارف على اعتبار أنها بهذا الاجراء تدفع الزيادة مرتين، خصوصا أن هناك ضريبة أخرى على توزيع أنصبة الأرباح، في ظل ارتفاع الاحتياطي الإلزامي الذي فرض مصرف لبنان المركزي على المصارف إيداعه لديه. وتأتي هذه الاجراءات في وقت يبلغ مجموع الضرائب التي يدفعها القطاع ما بين 35 و40%، وهي أكبر نسبة ضرائب يدفعها القطاع بين القطاعات المختلفة.

صحيح أن القطاع المصرفي يحقق 7 أو 5% من الأرباح، إلا أن الحق يقال ان نسبة الضريبة الفعلية على الارباح التي تدفعها المصارف تبلغ 52% حالياً، فيما تبلغ حصة القطاع من الضرائب على الأرباح الإجمالية 31%، وتصل إلى 40% بعد تطبيق الضرائب الجديدة. ولا يقف الامر عند هذا الحد، إذ ان حصة القطاع من القوى العاملة تبلغ 1,5%، وتصل حصة الضرائب على الأجور التي يتم اقتطاعها من المصارف لخزينة الدولة نيابة عن موظفيها إلى 25%.

تهرّب ضريبي؟

في موازاة القرارات التي تطاول المصارف، نجد أن الدولة لا تزال مقصرة في ضبط التهرب والتسرّب الضريبي الهائل خارج القطاع المصرفي، والذي تجمع التقديرات على أنه يتجاوز 4.5 مليارات دولار سنوياً. فمن البديهي القول أن جباية الضرائب والرسوم هي من المكونات التي تحدّد مفهوم الدولة، ويأتي في هذا السياق ممارسة الدولة سلطتها كاملة على الأراضي بما فيها القدرة على ضبط الحدود والمرافئ واستيفاء الرسوم على ما يدخل إلى البلد عبر الحدود.

ألزمت وزارة المال المكلف الذي يزيد رقم اعماله عن 150 مليون ليرة سنويا التسجيل في الضريبة على القيمة المضافة، لكن وعلى الرغم من سهولة وسرعة تحصيل هذه الضريبة، فإن عدداً من الملزمين بالتسجيل يقومون بتخفيض رقم الاعمال من طريق اخفاء حجم الضريبة الحقيقي أو عبر توزيع رقم اعمالهم بين اشخاص وهميين بغبة تخفيض رقم الاعمال الى ما دون الـ 150 مليون ليرة، ليصبح حينها المكلف غير ملزم بالتسجيل في الضريبة على القيمة المضافة.

وتعتبر الضريبة على القيمة المضافة احد المصادر الأساسية لتغذية الخزينة (75% منها تحصل على ابواب العبور اي الجمارك)، ولكنها كغيرها من الضرائب عرضة للتهرب في كثير من الحالات، وفق ما تؤكد دراسة لصندوق النقد الدولي، إذ تقدر قيمة التهرب من ضريبة الـTva بين مليار و300 مليون دولار حتى مليار و500 مليون دولار. وإذا أخذنا في الاعتبار أن القانون 46 الصادر في 21 /8 /2017 والمتعلق بزيادة الـ TVA نحو 1% ليصبح 11% لتأمين ايرادات لتمويل السلسلة، على أن تصل الايرادات منها نحو 300 مليار ليرة اضافية للدولة سنوياً، فإن موازنة العام 2018 قدرت الضرائب والرسوم وعائدات ايرادات الدولة بنحو 18 ألف و686 مليار ليرة فيما تصل قيمة ضريبة الـ TVA الى 3 آلاف و958 مليار ليرة وتمثل 21.1% من الايرادات.

التهرّب الضريبي؟

تشير التقديرات الى أن نسبة من يدفع الضريبة كاملة لا تتعدى الـ40% من الشركات والمؤسسات والأفراد، في حين أن 60% إما يسددون الضرائب جزئياً، أو لا يدفعون شيئاً. ففي تقرير حديث لبنك عوده، يستنتج من الأرقام والنسب المتعلّقة بالتهرّب الضريبي في لبنان، أن حجم التهرب الضريبي في لبنان بنحو 5 مليارات دولار في العام 2017، أي ما يوازي 10% من الناتج المحلي الإجمالي.

يحصل التهرب الضريبي في لبنان بدرجات متفاوتة على الضريبة على الأجور والأرباح ورأس المال وعلى الاستهلاك وعلى الاستيراد والتصدير. إلاّ أن أكبر مصدر للتهرب الضريبي في لبنان يتأتى من ضرائب الدخل التي تقدر بنحو ملياري دولار، أي ما يعادل 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تتأتى بشكل رئيسي من التهرب الضريبي على الأجور والأرباح. وتستند تقديرات التهرب الضريبي على الأجور إلى إجمالي الأجور التي تشكل ما نسبته 35% من الناتج المحلي الإجمالي وبمتوسط معدل ضريبة بحدود 10%، مما يترتب على ذلك ضرائب ممكن تحصيلها على الأجور تناهز 1.5 مليار دولار، في حين يصل التحصيل الفعلي إلى 0.6 مليار دولار فقط، بما يعني أن التهرب الضريبي على الأجور يناهز 0.9 مليار دولار. وفيما يتعلق بالضرائب على الأرباح التي تمثل ما نسبته 30% من الناتج المحلي الإجمالي، يقدر التهرب الضريبي بمليار دولار، وذلك بعد استثناء الضريبة التي سدّدتها المصارف على أرباحها من عمليات الهندسات المالية والتي تقدر بنحو 775 مليون دولار.

أما المصدر الثاني للتهرب الضريبي فيرتبط بالضريبة على القيمة المضافة التي تقدر بنحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 1.5 مليار دولار، فيما المصدر الثالث يتعلق بالرسوم الجمركية. إذ أن فجوة التهرب الضريبي بهذا البند تصل إلى 0.5 مليار دولار، أي ما يعادل 1% من الناتج المحلي الإجمالي.

المصدر الرابع للتهرب الضريبي يرتبط بفواتير الكهرباء غير المسددة والسرقة من خلال تعليق الكهرباء غير الشرعي. وتقدر الفجوة بـنحو 0.7 مليار دولار، بما يمثل نحو 54% من تحويلات الخزينة العامة إلى مؤسسة الكهرباء.

وتشكل الأملاك العقارية المصدر الخامس للتهرب الضريبي، وترتبط بتخفيض قيمة الأملاك في السجلات العقارية، لتصل قيمة التهرب الى نحو 0.2 مليار دولار، أي ما يعادل 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى أساس تقديرات للتهرب الضريبي على جميع الفئات الأخرى بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي (أي 1.8 مليار دولار)، يمكن إضافة ما قدره 0.2 مليار دولار إلى تقديرات إجمالي التهرب الضريبي، أي ما يعادل 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي، والتي تتأتى بشكل أساسي عن التهرب من الضرائب غير المباشرة، كفواتير الاتصالات السلكية واللاسلكية والرسوم الإدارية.

هذه الارقام ليست مستغربة اذا ما أخذنا في الاعتبار أن حجم اقتصاد الظلّ في لبنان الذي يقدر بنحو 31.58% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق أرقام صنددوق النقد الدولي. وهذا الاقتصاد يقوم على تأسيس أفراد صناعات وتجارة من دون رخصة، ولا يصرحون عن دخلهم وأرباحهم، ولا يدفعون أي نوع من الضريبة. أما من يتحمل عبء ضريبة الدخل في لبنان فهم بالدرجة الأولى الموظف الذي تقتطع ضريبة الدخل من راتبه، إضافة الى القطاع المصرفي الذي يصرح عن ارباحه ويدفع ضرائبه بالكامل. 

salwa.baalbaki@annahar.com.lb