الكاتب الفلسطيني عيسى بُلاطه عاد إلى القدس عن تسعين عاماً

سليمان بختي

رحل عن عالمنا الباحث والأكاديمي والمترجم الفلسطيني عيسى بُلاطه (1929 -2019) وبعيداً من القدس، مدينته التي ولد فيها ودرس في مدارسها ومشى في شوارعها. عمل مدرّساً لفترة ثم التحق في مطلع الستينات بجامعة لندن وبقي فيها حتى نيله الدكتوراه في الأدب العربي 1969.

التحق بلاطه بجامعة ماكجيل في مونتريال كندا في العام 1975 أستاذاً للغة العربية في معهد الدراسات الاسلامية وبقي في الجامعة عينها حتى تقاعده في العام 2004. تشعبت اهتماماته ونتاجاته من الرواية الى الترجمة والنقد والكتابة الإبداعية.

أصدر في العام 1960 دراسة بعنوان "الرومنطقية ومعالمها في الشعر العربي الحديث"، ثم كتابه المهم "بدر شاكر السياب: حياته وشعره" (1971) عن "دار النهار للنشر"، وهو أطروحته لنيل الدكتوراه، وقد زار العراق متقصياً المعلومات اللازمة وانجز دراسة ميدانية واسعة عن السياب وزار عائلته وعاين أماكن نشأته الاولى في جيكور والبصرة ودراسته في بغداد والتقى زوجته وأولاده وعرف عن زياراته الى لبنان وعمله في العراق ونشاطه السياسي وإقاماته القصيرة في لندن وفرنسا وإيطاليا حتى مرضه ووفاته في الكويت. وبات عمله هذا مصدراً رئيسياً للدارسين والباحثين.

أخذ عيسى بُلاطه على عاتقه تقديم الأدب العربي الى القارئ الغربي فأصدر بالانكليزية كتاب "شعراء عرب معاصرون" (1950-1975) ثم "نظرات نقدية على الأدب العربي الحديث" بوسطن (1980) و"الاتجاهات والقضايا في الفكر العربي المعاصر" (1990). وشارك في كتب جماعية منها "التقاليد والحداثة في الأدب العربي" (1990).

نشر عيسى بُلاطه روايته الوحيدة بالعربية بعنوان "عائد الى القدس" (1998) وكتب على غلافها: "عائد الى القدس هي رواية أبناء القدس الذين عاصروا حربين، وخسروا عمرين، وفقدوا مدينتين، وتشردوا بين وطنين، وظلت القدس قبلتهم ومبعث نوستالجيا قلوبهم ومحفزاً لإرادة العودة لدى جيل الاكسودوس العربي". كتب عملاً نقدياً فذاً بعنوان "نافذة على الحداثة: دراسات في أدب جبرا ابرهيم جبرا" (2002) وصدرت له مجموعة قصص بالانكليزية بعنوان "جنتلمان متقاعد" (2003) وكتابه "إعجاز في القرآن الكريم" (2006).

ترجم عيسى بُلاطه العديد من الأعمال المهمة الى الانكليزية مثل كتاب "حياتي" لأحمد أمين، وأعمالاً لكل من جبرا ابرهيم جبرا وهشام شرابي وإملي نصرالله ومحمد براده وغادة السمان ومحمود شقير وغيرهم. وفاز مرتين بجائزة جامعة اركنساس للترجمة العربية.

ترك عيسى بُلاطه مجموعة نصائح للمترجمين الشباب بعنوان "عشر نصائح للمترجمين". ويقول: "ان العرب اليوم في حاجة الى الجرأة في جميع مظاهر الحياة كجرأتهم التي ظهرت في شعرهم الحديث الذي حطموا فيه بعض القيم وحافظوا على بعض آخر وخلقوا شعراً جديداً فيه ملامح وجههم المتشوق للحداثة".

غاب عيسى بُلاطه بعيداً من القدس لكنه لم يغيّب شغفه واهتماماته بالأدب العربي الحديث وسعى جاهداً لتقديم صورة مشرقة لهذا الأدب وانعكاساته في الغرب. وأثرى المكتبة العربية بالنقد والبحث والترجمة والكتابة الأدبية، كأنه كان يعود الى اللغة كلما هاجه الحنين الى القدس وقبابها الندية وشوارعها العتيقة.