ماذا تعرفون عن مدفع بيروت الرمضاني؟

جاد محيدلي

لشهر رمضان المبارك عادات وتقاليد خاصة به، بدءاً من تزيين الشوارع بالأضواء والفوانيس، مروراً بالمأكولات والمشروبات المخصصة لهذا الشهر، وصولاً الى مدفع رمضان الشهير الذي كان يُستخدم في القدم للإعلان عن موعد الإفطار. وعلى الرغم من أن هذا التقليد إختفى بسبب إنتشار التكنولوجيا التي سمحت لكل شخص منا بالتعرف على مواعيد الإفطار والإمساك بالتفاصيل، الا أن المدفع لا يزال متواجداً في الكثير من الأماكن ولو أصبح دوره رمزياً فقط. وبيروت تحديداً إشتهرت سابقاً بمدفع رمضان، فماذا تعرفون عنه؟ قامت الدولة العُثمانيّة أيام إبراهيم باشا بوضع مدفع في بيروت، خصصت له مدفعجياً مهمته إثبات شهر رمضان وإعلان وقت الإفطار والإمساك والأوقات الخمسة، وكذلك إطلاقه طيلة عيدي الفطر والأضحى. كان يتم إطلاق المدفع مساء يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، إذا ثبتت رؤية هلال شهر رمضان، وكانت تطلق 21 طلقة مدفع تبشيراً وإجلالاً كما حصل سنة 1859 وما بعدها.

وبحسب موقع "يا بيروت"، كان مدفع رمضان له دولابين كدواليب العربات، والقذيفة العائدة له هي عبارة عن حشوة قماش كتّان محشوة بالبارود ومتصلة بكبسولة يضعها الجندي في المدفع ويطلقها بواسطة حبل رفيع. أما في عهد الإنتداب الفرنسي استلمت المفوضية العليا شؤون الإفتاء والأوقاف الإسلامية، باعتبارها جزءاً من دوائر الدولة، وعيّنت السيد جيناردي مشرفاً عليها، وهو عسكري متقاعد. وكان موقع المدفع أيام الدولة العُثمانيّة في الثكنة العسكرية الواقعة على رابية مطلّة على بيروت، وهو ما يُعرف اليوم بمقر مجلس الإنماء والإعمار، المدفع متجه إلى الشرق، يشرف على إطلاقه "ميقاتياً" إشتقت منه عائلة الميقاتي، وكان أشهرهم شيخ من آل الزغلول، يحدد بموجبها إشارة إطلاق المدفع، محدثاً دوياً ترتج له المدينة. وإستمر هذا الموضع لمدفع رمضان والأعياد حتى عام 1935، وبعد أن أتسعت المدينة جنوباً وغرباً، وظهرت على أثرها أحياء جديدة، نُقل الموقع على أثرها إلى تلة الخياط قرب مقهى أبو النور الكوسا التي كانت تطل على معظم الأحياء الإسلامية، حيث أشرف على المدفع وإطلاقه رجال القناصة اللبنانيّة (جيش الشرق)، ومن بعدهم الجيش اللبناني بعد الاستقلال.

ويحسب بعض الدراسات التاريخية فإن تقليد مدفع رمضان يعود إلى عام 1811 في زمن والي مصر علي باشا، فقد كان جيشه قد امتلك مدافع حديثة الصنع، لذا أمر بإحالة المدافع القديمة إلى المستودعات لقدمها، وقد وضع أحدها في القلعة تذكاراً لإنتصاراته، وفي أحد أيام شهر رمضان المبارك أطلق جيش محمد علي قذيفة من المدفع القديم مع آذان المغرب، فظن المصريون أن هذا العمل بات تقليداً، فابتهجوا لهذه البدعة الحسنة لا سيما أهالي وأبناء المناطق البعيدة عن القاهرة، وسيّروا مظاهرة تأييداً لوالي مصر لشكره على هذا العمل، ومنذ ذلك التاريخ أمر محمد على بإطلاق المدافع مع آذان المغرب ومع الإمساك فجراً وفي الأعياد والمناسبات، ونظراً لارتباط مصر ببلاد الشام، ساد هذا التقليد في بيروت والبلاد الشامية وتكرس مع الوجود المصري في بلاد الشام في الفترة 1831م – 1840. وحتى قبيل الأحداث اللبنانيّة عام 1975، كان مدفع الإفطار ومدفع الإمساك يُطلق، ولكن من منطقة تلة الخياط، في المنطقة التي تعتبر أعلى مرتفع في بيروت، ثم من تلة زريق قرب دار الأيتام الإسلامية، وعادت هذه العادة عام 1995 بإطلاق مدفع الإفطار ومدفع السحور من منطقة السفارة الكويتية قرب قصر رياض الصلح.