الى الأب ابرهيم سروج

المحامي كارول سابا - باريس

إلى العزيز أبونا ابرهيم سروج،


ليست المكتبة الحدث بل أنت هو الحدث، وأنت ستبقى كما أنت السِراج الذي لا ينطفئ! "وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد". 


يا عزيزي أبونا إبرهيم، ماذا أقول لك من باريس، أكتب لك من مكتبي وهو المُصلّى حيث تقوم أيقوناتي، وأقوم في كل صباح أناجيها خيرا وسلاما، هل أكلمُك بكلام التعزية أم بكلام الفرح، هل أخُطَ لك كلمات نورانية وأنت كما أنت منذ أن كنت شابا وفي شيبة الحكمة التي أنت فيها، قد حَفرتَ هذه الكلمات في قلبك وعقلك وفي مَكتبتك هذه؟ هناك في هذه المكتبة المَغارة النوارنية التي حفرتها هناك في طرابُلسنا العزيزة والأبيَّة، المَنارة والمُنيرة، مِدماكاً فوق مدماك، لتولد الكلمة الأزلي فيها في كل كتاب، فتجعلها بشارة مُستمرة وتجعل من كل كلمة فيها كلمات ومن كل كتاب فيها كتب، وهي كلمات في كتب وكتب في كلمات كلها تناجي الكلمة الرب، وتسعى للرسالة السلامية والروحية الصحيحة التي كنت ولا تزال أنت من المُدافعين لها، هذه الكلمات التي تناجي الروح المُحي مِقياسا ولا تتوقف عند حرفية الحرف الذي يَحِدَّ و لا يُحيي.


أنا مُدرك لوجعك وألمك والحزن الذي يُحاول الولوج إلى قلبك، وأنا مثلك مُدرك لأهمية الكتاب في حياتي، ومثلك مكتبتي هي كعائلتي الصغيرة التي وهبني الرب جمالياتها، مكتبتي كعائلتي بجانبي دوما وكتبي كالأولاد ألدهم و يلدوني، ألامسهم ويلمسوني، أتفقدهم ويتفقدونني، يشربون معي ويأكلون، أشبع منهم ويشبعون مني، لا أنام وهم فياق، وفي الليل أستفقدهم واحدا واحدا من خوفي أن يكون أحدهم على قلق أو محنة، وفي النهار صلاتي ترافقهم لتبعد عنهم كل شرير.


لا يا عزيزي، وأنت عزيز لكثيرين، لا، لن أكلمك ولن أتكلم عن المكتبة التي عُرفت إشعاعاتها من مشارق أنطاكية إلى مغاربها، فهي ليس الحدث، فالحدث هو أنت، وأنت عندي أهم وأثمن وأعمق ثمنا من المكتبة فعندنا نحن القياميون، الإنسان أهم من كل شيء على أهمية كل الأشياء وقيمتها وأثمانها، فنحن لسنا للسبت بل لرب السبت الذي هو المُنبع والمُصدِّر والدفّاقُ لكل شيء ثمين يضعه بين أيدينا ولكل شيء ثمين يأخذه من بين أيدينا، فنبقى في الحالين على التمييز الروحي أنه "هو" الثمين و المُثمَّن، وهو الحاجة الوحيدة في حياتنا، فمتّى الإنجيلي يُعلِّمُنا في إنجيله كلام الرب: "من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب أخا أو أختا أكثر مني فلا يستحقني ...". فكم بالحري من أحب كتبا في كلمات وكلمات في كتب أكثر من الكلمة القدرة القادرة على إنتاج "كل شيء جديد".


من قام في هذا العمل المُدان هو الذي يُدين نفسه ويَجلِب لنفسه إدانة أبدية. لكن نحن، وأنت يا عزيزي أبونا إبرهيم وأنت الخليل، يجب أن نبقى وتبقى على التمييز الروحي الذي يُريده الرب فينا، وهذا الرجاء لن ينزعه أحد منا مهما علا شأنه الدهري، وهذا يكون إن جعلنا أمامنا كلام الرب القادر على كل شيء في رؤيا يوحنا الإنجيلي الحبيب: "ثم رأيت سماء جديدة وأرضا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا والبحر لا يوجد في ما بعد وأنا يوحنا رأيت المدينة المُقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مُهيّأة كعروس مُزيّنة لرجلها. وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا هوذا مَسكنُ الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم إلها لهم وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت. وقال الجالس على العرش "ها أنا أصنع كل شيء جديدا". فأبقى يا عزيزي أبونا على هذا الثبات وهذا الرجاء وتشدد به وشدد قلبك وعقلك بنوره، عندها تعرف أن كل شيء يتجدد بنعمة الرب.