لا إقتصاد من دون أمن... لا تعبثوا مع الجيش

جهاد الحكيّم

إنَّه لَمِنَ المعروف أنَّ الاقتصاد يرتكز على الأمن والاستقرار قبل التَّعويل على السِّياسات الاقتصادية أكانت ماليَّة أو نقدِيَّة. أو كأنَّه لم يكن كافياً أنَّ العسكريِّين والمعلِّمين قد نالوا نسبةَ الزِّيادةِ الأقل في السِّلسلة عام 2017، على الرّغم من أنَّ الفساد لم يتمكَّن من التسلُّل إلى السِّلك العسكري والقطاع التَّربوي كما فعلَ في مؤسَّساتٍ رسميَّةٍ عدَّة. فها هي يدُهم تمتدُّ هذه المرَّة محاولةً النَّيل من حقوق العسكريِّين المكتسَبة.

لا يا سادة "لحدّ هون وبسّ"، هناك قانون للدِّفاع الوطني وعقد تطوُّع ينصُّ على الحقوق والواجبات وعلى أساسها انخرط العسكريُّون ضبَّاطاً وأفراداً في الجيش.

فإذا أردتُم تغييرَ هذا العقد أو تعديل القانون فليطبَّق من الآن وصاعداً على المتطوِّعين الجُدُد وليس على الَّذين هم اليوم في الخدمة الفعليَّة أو الَّذين أُحيلوا على التَّقاعد.

وهنا تجدرُ الإشارة إلى أنَّ المتقاعدين هم بمعظمِهم في عداد الاحتياط وبالتَّالي هم جزءٌ لا يتجزّأ من الجيش اللُّبناني، ويمكن استدعاؤهم إلى الخدمةِ الفعليَّة والاستعانة بهم إذا اقتضتِ الحاجة والظروف.

لم يعد خفيٌّ على أحد أنَّ الموقف المعلَن يمكنُ أن يكونَ مغايِراً للنَّوايا الحقيقيَّة. فهم أنفسُهم أشبعونا مواقف مناهضة للضَّرائب في العام 2017، ليعودوا ويفرضوها على الجميع، على الرّغم من تحذيراتِنا بشتّى الوسائل حينها من مغبَّة فرض ضرائب في فترة الرُّكود الاقتصادي لأنَّها ستؤدِّي إلى الكساد، وتالياً إيرادات أقل للدَّولة (بحسب Laffer Curve ) كونَ أنَّ العديدَ من الشَّركاتِ الَّتي كانت تدفعُ ضرائب، ستُقفلُ أبوابَها وترتفع بذلك البطالة ويزدادُ التَّهرُّب الضَّريبي… فهذا ما قد حصل، لا بل نحن نعاني اليوم من الرُّكود التَّضخُّمي المتمثِّل بالرُّكود الاقتصادي بالتَّزامُنِ مع البطالة والتَّضخُّم.

نخشى اليوم أيضاً أن تكونَ تصريحاتُهم وتأكيداتُهم في العلَن بأنَّهم لن يمسّوا برواتبِ العسكريِّين، مغايرةً لما يضمرونَه، شأن ما حصلَ في موضوع الضَّرائب.

الجيش هو المؤسَّسة العسكريَّة الضَّامنة الَّتي يلتفُّ حولَها الجميع وهي مصدرُ ثقة لللُّبنانيِّينَ كافَّةً كما للمجتمع الدّولي. فالحملاتُ المضلِّلة الَّتي تصوِّرُ الجيشَ وكأنَّه "أكلَ البيضة والتَّقشيرة" للإيقاع بينَه وبين المدنيِّين، لن تجدي نفعاً. فمَكامِنُ الهدرِ والفساد و المسؤولون عنها معروفون وكذلك هي الحلول من أجل الخروج من هذه الأزمة. ولكن ما نخشاه هو أن لا يكون هناك نيَّة للإصلاح. فليسَ الجيشُ مَن بدَّد المال العام وفرَضَ الضَّرائب ورفعَ الفوائد إلى مستوياتٍ مُبالَغ فيها تزيد من خدمةِ الدَّين العام وتَحُدُّ من الإستثمارات وبالتَّالي تَحُولُ دونَ خلقِ وظائف جديدة.

وليسَ الجيشُ هو من من حرمَ اللُّبنانيِّين من قروضِ الإسكان نتيجةَ إعطاء قروض سكنيَّة مدعومة بـ800 مليون ليرة للشِّقَّة الواحدة سنة 2013 (أيْ ما يفوقُ المليار ليرة في يومِنا هذا)، فحرم من هم فعلاً بحاجةٍ إلى دعم لشراء منزل ودفع بعضهم الآخر لشِراءِ منازل في الوقتِ غير المناسب، فانخفضت أسعارُها وارتفعت قيمةُ السَّند الشّهري.

كما أنَّه ليسَ الجيشُ هو من يحرمُ الشَّبابَ من فرصِ العمل في القطاعِ العام بعد تجميد التَّوظيف فيه، نتيجةَ المبالَغة بالتَّوظيف أكثر من الحاجة في السِّنين الَّتي سبقَت بدلَ أن تُعطى هذه الفرصة لجميعِ الأجيال أسوةً بتلك اللَّتي سبقَتها، وليس حصراً لجيلٍ محدَّد.

إرفعوا يدَكم عنِ الجيش وإلَّا…