الأسباب الحقيقية للفيروسات المنتشرة في لبنان... هل علينا أن نقلق؟

سادت في الفترة الأخيرة حالة من الهلع حول الفيروسات المنتشرة في لبنان، خصوصاً مع تزايد الحالات بين الطلاب في المدراس واتخاذ بعض المدارس إجراءات حيال ذلك بهدف طمأنة الأهل. فهل إن الأرقام قد ارتفعت عن المعدلات الطبيعية في هذا الموسم كما يتمّ تداولها بين الناس؟ كان لا بد لنا من العودة إلى الرأي الطبي للتأكد ما إذا كانت هذه المخاوف مبررة. ماذا كشفت وزارة الصحة وكيف تتعاطى مع هذه الهواجس وما مدى صحة الأرقام التي نسمع بها؟

تزيد معدلات القلق بين الناس ما إن تظهر حالة خطيرة دون التأكد من طبيعتها، فتنتشر الأقاويل والتقديرات لمسببات محتملة دون البحث عن إثبات علمي أو تأكيد رسمي. هذا وتأتي بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتصب الزيت على النار فيزيد الوضع سوءاً. مما لا شك فيه أن حالة وفاة خصوصاً إذا كان الطفل هو المعني تزيد هواجس الأهل حول الأسباب وهذا ما حصل فعلاً في لبنان عندما حصلت وفيات بين الأطفال نتيجة إصابات جرثومية او فيروسية، وإن لم تكن مترابطة في أسبابها وطبيعتها. كما ظهرت أخيراً إصابات بأمراض فيروسية بأعداد تدعو إلى القلق في عدد من المدارس، فساد القلق بين الناس وفضل كثيرون عدم إرسال أطفالهم إلى المدارس لحمايتهم.

الهلع بين الأسباب والواقع

للتأكد من مدى صحة الاخبار المنتشرة، كان لنا حديث مع الاختصاصي بالأمراض الجرثومية والمعدية الدكتور متى متى الذي أوضح لـ"النهار" أن "موسم الإنفلونزا كان قوياً فعلاً في هذا العام ومنها الـH1N1، خصوصاً أنها من الأمراض المعدية جداً في حال عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة". مشيراً الى ان "أسباب عديدة ساهمت في هذا الانتشار أبرزها التلوث الذي يلعب دوراً في زيادة حالات الحساسية ومشاكل الجهاز التنفسي والكثافة السكانية الزائدة، مشكلة النفايات التي زادت الحالة سوءاً، وجود اللاجئين السوريين الذين اضطلعوا بدور بالإضافة إلى عامل الطقس الذي كان أكثر برودة من العادة. كما تحصل طفرات معينة في الأمراض الفيروسية أحياناً تجعلها أكثر خطورة". هذه العوامل مجتمعة جعلت موسم الانفلونزا والـH1N1 بشكل خاص أقوى من العادة في هذا العام مع ما يترافق معها من مضاعفات خصوصاً بالنسبة إلى المتقدمين في السن والأطفال والحوامل ومرضى السرطان".

وبحسب متى "يشفى معظم الناس من الانفلونزا لكن المضاعفات تبقى ممكنة حتى لمن هم بصحة جيدة. أما أبرز أعراض الانفلونزا فهي:

* ألم حاد في العضلات والرأس

* ارتفاع زائد في الحرارة على أن يتم تمييزها عن أعراض الرشح العادي.

وفي ما يتعلق بإجراءات التعقيم التي اتخذت في بعض المدراس، لا يركز متّى على أهميتها، بالنسبة اليه الأهم يكون بعدم توجه الطفل المصاب إلى المدرسة لتجنب نقل العدوى إلى الآخرين سواء كان مصاباً بالانفلونزا أو بغيرها من الأمراض. فتعقيم الصفوف لا يفيد في حال حضور أطفال مرضى لأن المشكلة ستعود حكماً".

لذلك يقدم متى بعض النصائح الذهبية للحد من انتشار المرض هي:

-غسل اليدين جيداً وباستمرار

-التلقيح

-عدم العطس بشكل ينقل العدوى إلى الآخرين

كما يوضح متى أن "الحالة التي تستدعي التدخل الطبي السريع عندما يحدث ضيق في التنفس وألم حاد في الصدر وازرقاق وهذيان وتعب زائد، أو في حال ظهور تحسن يليه انتكاسة، خصوصاً في حال وجود مشاكل صحية سابقة كضعف مناعة أو مشاكل في القلب أو الرئتين أو سرطان أو اذا كان المريض طفلاً صغيراً، فيما لا يعتبر ارتفاع الحرارة معياراً أساسياً. وقد توصف أحياناً علاجات حماية في محيط المريض بحسب خطورة الحالة علماً أن بقدر ما يكون التدخل سريعاً تكون العلاجات أكثر فاعلية ويمكن مواجهة المضاعفات بشكل أفضل.

الانتشار الأوسع

برأي متى ما هو "أكثر خطورة من انتشار الانفلونزا هو الانتشار الزائد للحصبة بشكل ملحوظ ليس فقط على صعيد لبنان وإنما في العالم كله. صحيح ان فيروس الحصبة كان موجوداً دائماً لكن ليس بهذه المعدلات التي نشهدها اليوم. إن الأوبئة كالحصبة وغيرها تنتشر بشكل واسع مع تراجع معدلات التلقيح لسبب أو لآخر نتيجة غياب الوعي والإهمال او بسبب مخاوف أخرى حيث يعتقد البعض وجود علاقة ما بين التلقيح والإصابة بالتوحد فيما اثبت علمياً انه لا علاقة بينهما. هنا تكمن الخطورة، لذلك لا بدّ من التشديد على أهمية تلقيح الأطفال في الأوقات المناسبة وبالشكل المناسب منعاً لانتشار الأوبئة".

وفي ما يتعلق بالحصبة تحديداً يشير متى الى أن نسبة "انتشارها متزايدة بشكل واضح مع ما لها من مضاعفات ولو بنسبة منخفضة كتلك التي تصيب الدماغ والعينين وأمراض خطيرة وأحياناً تُسبب الوفاة في بعض الحالات. بشكل عام يشفى معظم الناس من الحصبة لكن لا بد من اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار الوباء".

وزارة الصحة العام تطمئن وتحذر

من جهتها تؤكد رئيسة مصلحة الطب الوقائي الدكتورة عاتكة بري رداً على مخاوف الناس حول الفيروسات المنتشرة في لبنان، أن "موسم الانفلونزا شارف على نهايته وتوضح أن الطقس المتقلب لعب دوراً في زياة حالات الاتفلونزا واستمرارها إلى الآن". وتقول:" إن فيروسات الـH1N1 وH3N2 تسيطر في هذا الموسم بسبب البرد الزائد وهذا طبيعي، في حين ان الأقاويل والأخبار المنتشرة بعيدة عن الواقع. إذ بمجرد ظهور بعض الحالات من مرض معين حتى تزيد الهواجس والمخاوف بين الناس دون الاستناد إلى واقع علمي أو إثباتات". وإنطلاقاً من ذلك، تطمئن بري الناس فيما تحذر من تقلبات الطقس في هذه الفترة وتشدد على ضرورة الحرص على ارتداء الملابس الدافئة خصوصاً بالنسبة للأطفال لان الطقس لا يزال بارداً والحرارة متقلبة خلال اليوم نفسه فيما لا يكون الجسم مستعداً بعد ويجب عدم الإهمال تجنباً للمرض".

"أما في ما يتعلق بالحصبة فارتفاع معدلاتها ملحوظ" وفق بري "لأن اللقاحات قد لا تطال الكل كما قد لا يتجاوب الكل معها بنسبة 100 في المئة ومع مرور السنوات يعود انتشار الوباء"، لافتة إلى أن "النزوح السوري زاد الوضع سوءاً. فمن سنة 2013 بدأ وباء الحصبة في لبنان ونشهده بكثرة كل 5 سنوات. أما النفايات فلها آثار مباشرة من حساسية وربو والتهابات فيروسية في العين وأخرى أكثر خطورة في المدى البعيد كالسرطان. لذلك نشدد على أهمية التلقيح المتوافر في مختلف المراكز الصحية في عمر  18 شهراً ثم في عمر 4 أو 5 سنوات".

هواجس تتخطى الأرقام

في حين ترى رئيسة برنامج الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة الدكتورة ندى غصن ان "الهواجس تتخطى الأرقام إلى حد كبير، فالتقارير الطبية كافة تظهر عدم وجود زيادة في معدلات انتشار أي من الفيروسات مقارنة بالسنوات السابقة. ففيروس H1N1 هو متوقع وفي موسمه الطبيعي ولم يعد القلق حيال خطورته مبرراً كما عند بداية ظهوره في العام 2009".

وتشير  إلى أن انتقال "العدوى سهل في هذه الحالة خصوصاً بين الأطفال في المدارس. لذلك نتابع كوزارة المؤشرات ونطمئن الناس أنه لا داعي للخوف فمعدلات الإصابة ضمن المعدل الطبيعي. أما الإجراءات التي تتخذها المدارس فهي بهدف طمأنة الأهل لا أكثر".

برأي غصن أن "الحصبة تشكل وباء حقيقياً اليوم وتستدعي اتخاذ الإجراءات اللازمة خصوصاً ان الموجة مستمرة، بعكس ما هو معتاد، من شهر تشرين الأول 2018. وثمة انتشار واسع للوباء في عكار والبقاع وبعلبك وعرسال وفي مواجهة ذلك ثمة حرص شديد على اللقاحات خصوصاً في الريف حيث نسب الإصابة مرتفعة بشكل غير متوقع".

وتشير  غصن إلى أن "الحصبة تظهر من خلال طفح جلدي وارتفاع حرارة وبقع حمراء في الجسم قد تختفي لكن قد يكون لها مضاعفات أحياناً لا يمكن الاستهانة بها بدءاً من الإسهال الحاد وصولاً الى مشاكل التنفس وأثرها على الدماغ الذي قد لا يظهر مباشرة لكن في المدى البعيد".

أياً كانت الأخبار المتداولة وخصوصاً في الشأن الطبي يبقى الأهم هو الاستناد إلى الأرقام والوقائع حرصاً على مشاعر الناس ومنعاً لزيادة مخاوفهم دون مبرر.