مصر تدشّن حقبة برلمانية جديدة من بوابة نظام المجلسَين... فماذا عن لبنان؟

د. هشام سماح الأعور

كشف تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية من خلال إعداد دراسة اللجنة للطلب المُقدم من 155 عضواً في البرلمان المصري (أكثر من خُمس عدد أعضاء المجلس) بتعديل بعض مواد الدستور عن نيّة واضحة لدى المشرّع بالعودة إلى نظام المجلسَين في مصر بعد إلغائه في العام 2007.


ما لا شكّ فيه أن الدستور وثيقة نابضة بالحياة لا ترتبط مفاهيمها بلحظة زمنية محددة، وإنما تتفاعل مع عصرها وفق القيم التي ارتضتها الجماعة، تحدِّد على ضوئها مظاهر سلوكها، وضوابط حركتها، آخذةً في اعتبارها الرؤية الأعمق لحقوق الإنسان.

فبعد جلسات متتالية عقدتها لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بهدف إقامة حوار مجتمعي موسّع حول التعديلات المقترحة مع نخبة واسعة من المفكرين وأساتذة الجامعات والخبراء، ورجال السياسة والقانون والقضاء، وممثلي أجهزة الدولة ورؤساء الجامعات والمجالس القومية، والمؤسسات الاعلامية، والنقابات المهنية، وقادة الأحزاب السياسية وغيرهم من الشخصيات العامة، وممثلي فئات المجتمع المختلفة، توصلت اللجنة في تقريرها الرسمي إلى طلب تعديل بعض مواد الدستور، وإقرار هذه التعديلات بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، على أن يتمّ بعد ذلك عرضها على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذاً من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة غالبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء.

فإلى جانب عدد من التعديلات الدستورية المقترحة حول زيادة مدة تولي منصب رئاسة الجمهورية لتصبح ست سنوات بدلاً من أربع سنوات، واستحداث منصب نائب رئيس الجمهورية، والسلطة القضائية، وكوتة المرأة، جاء حاصل آراء المشاركين في فعاليات الحوار المجتمعي من الشخصيات الدينية والعامة ورؤساء الأحزاب السياسية وممثلي الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني بالتمسك بضرورة إعادة فكرة مجلس الشيوخ مع إعطائه صلاحيات حقيقية.


ما لا شكّ فيه أن عودة التنظيم البرلماني في مصر إلى نظام المجلسَين يمثّل ضمانة مهمة لتطوير السياسات العامة للدولة وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية، والمعاونة في إنجاز العملية التشريعية وسنّ القوانين بطريقة أفضل تضمن حسن الدراسة والمناقشة، والاستفادة المثلى من مخزون الخبرات المصرية.


فقد أظهرت جلسات الاستماع والاقتراحات التي تلقتها لجنة الشؤون الدستورية في شأن التعديل المقترح بإنشاء غرفة ثانية في البرلمان المصري إلى جانب مجلس النواب، عن توافق كبير حول أهمية إنشائها، بينما عبّرت الآراء التي رفضت هذا التعديل عن تحفّظها على تخويل المجلس المستحدث صلاحيات استشارية فقط، وأعربت عن رغبتها في منحه مزيداً من الصلاحيات.


وعليه، رأت اللجنة أن نظام المجلسين يتميز بتوزيع الوظيفة النيابية على مجلسين يشكلان معاً السلطة التشريعية، الأمر الذي يضمن توسيع المساهمة في مناقشة السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، ومعاهدات التصالح والتحالف، والمعاهدات المتعلقة بحقوق السيادة، فضلاً عن الاشتراك في إقرار القوانين بعد تمحيصها والاطمئنان إلى ملاءمتها للسياق المجتمعي العام، حيث إن وجود غرفتين يمكّن من إعادة النظر في ما يقرره أحد المجلسين بناء على البحث والاستقصاء وتبادل الرأي بين الغرفتين؛ مشددة في الوقت نفسه على أن نظام المجلسين من شأنه أن يقوّي الممارسة الديمقراطية ويعززها، لأنه ينوّع التمثيل السياسي لفئات المجتمع المختلفة، ويحقق المساواة بين المواطنين سكانياً وجغرافياً. كما أن وجود غرفتين ﻴﻤﻨﻊ برأي اللجنة انفراد غرفة ﻭﺍﺤﺩة بالرأي، ويحقق ﺍﻟﺘﻭﺍﺯﻥ الضروري في حالة ﺴﻴﻁﺭﺓ ﺤﺯﺏ أو تكتل ﻤﻌﻴﻥ ﻋﻠﻰ إحدى الغرفتين.


أما من حيث صلاحية مجلس الشيوخ، فقد عكس اتجاه لدى بعض المشاركين بضرورة منح مجلس الشيوخ جانباً من الاختصاصات التشريعية والرقابية، ورفضَ العودة إلى تجربة مجلس الشورى في ظل دستور 1971 قبل تعديلات مارس 2007، حيث كانت صلاحيات الغرفة الثانية استشارية فقط.

غير أن اللجنة تحفظت على هذا الطرح حيث رأت أن طبيعة الدولة المصرية كدولة بسيطة من جهة، وانتماء نظام الحكم فيها إلى النظم المختلطة من جهة أخرى، يجعل من المناسب أن تقتصر وظيفة الغرفة الثانية على تقديم المشورة في المسائل الكليّة التي يختصّ بها، ومشروعات القوانين التي يرى رئيس الجمهورية أو مجلس النواب استطلاع رأيه في شأنها، خاصة في هذه المرحلة. كما رأت اللجنة أن معاونة مجلس الشيوخ لأجهزة الدولة في هذا الخصوص تقوم على توفّره على دراسة الموضوعات المطروحة أمامه دراسة متعمقة تغطي جميع جوانبها وتحيط بشتى زواياها وآثارها الإيجابية وانعكاساتها السلبية، مما يُمكّن الدولة من الانحياز إلى وجهة النظر التي تعززها الحقائق العلمية. ومن ثم، فقد ذهبت غالبية أعضاء اللجنة إلى أن يتحدد دور مجلس الشيوخ في أخذ رأيه في عدد من الموضوعات، على أن يكون استطلاع رأي مجلس الشيوخ على سبيل الوجوب في بعض الحالات، وبصورة جوازية في حالات أخرى، وذلك على النحو التالي:

يؤخذ رأي مجلس الشيوخ في :

- الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، معاهدات الصلح والتحالف، وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، ما يحال إليه من مشروعات القوانين المكملة للدستور وغيرها من مشروعات القوانين التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو من مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية.

ويبلّغ المجلس رأيه في هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب.


وفي ما يتعلق بالاختصاص الرقابي لمجلس الشيوخ، فقد خلصت اللجنة إلى تحديده في أداتَي طلب المناقشة العامة والاقتراح برغبة دون غيرهما من أدوات الرقابة البرلمانية.

وتؤكد اللجنة في هذا الخصوص على حقيقة أن غالبية النظم المقارنة التي تأخذ بنظام المجلسين تجعل الحكومة مسؤولة أمام المجلس الأدنى فقط (أحد المجلسين وليس كلاهما).

أما على صعيد تشكيل مجلس الشيوخ، وبعد دراسة الجوانب الدستورية ذات الصلة لاختيار البدائل الملائمة للحالة المصرية في هذا الصدد، فقد خلصت اللجنة إلى الجمع بين طريقتي الانتخاب المباشر بواقع الثلثين والتعيين من رئيس الجمهورية بواقع الثلث، فيما رأت اللجنة حول تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس الشيوخ وترك تنظيم مسألة ما إذا كانت الدائرة الانتخابية تشمل المحافظة بالكامل أو بعض مكوناتها الإدارية إلى القانون المنظم للدوائر الانتخابية لمجلس الشيوخ.


في حين رفضت اللجنة اعتماد طرح مبدأ المساواة في عدد المقاعد المخصصة لكل محافظة على اعتبار أن مصر دولة بسيطة الأمر الذي يختلف عنه في الدول الفيدرالية التي تأخذ بمبدأ المساواة السكانية في مقاعد أحد المجلسين والمساواة الإقليمية في مقاعد المجلس الآخر، كما هو الحال في مجلس الشيوخ الأميركي الذي يُنتخب فيه عضوان عن كل ولاية أياً كان عدد سكانها بالمغايرة لمجلس النواب والذي يتحدد فيه عدد المقاعد بنسبة عدد السكان، فالولايات الأكبر في عدد السكان لديها مقاعد أكثر في مجلس النواب. تاركةً طريقة تعيين ثلث الأعضاء من مجلس الشيوخ وتنظيم بقية الأمور التفصيلية الأخرى إلى القانون المنظِّم لمجلس الشيوخ في ظل الانقسام الواضح بين من يطالب بألاّ يستقلّ رئيس الجمهورية بتعيين الثلث المعين وفقاً لسلطته التقديرية، وأن يكون التعيين من بين قوائم ترشّحها بعض الجهات مثل الجامعات والنقابات، فيما دعا البعض الآخر إلى ضرورة الإحالة إلى القانون في ما يتعلق بطريقة اختيار الثلث المعين بقرار رئيس الجمهورية كما هي الحال بالنسبة للمعينين بمجلس النواب، لا سيما وأن ثمة حاجة لتنظيم وقت التعيين وأثره على صحة انعقاد المجلس، وكذلك إذا ما كان تعيين هذا الثلث جوازياً لرئيس الجمهورية أو واجبًا ملزمًا، وهل ينبغي تعيين ثلث الأعضاء دفعة واحدة أم يجوز على مراحل؟


إن مجلس الشيوخ في مصر سيكون، على حدّ قول رئيس مجلس النواب المصري علي عبدالعال، بمثابة بيت للخبراء، يقدّم المشورة لمجلس النواب، ويوسّع قاعدة التمثيل، ويسهم في تحسين العمل البرلماني، وسيركز على الجانب السياسي أكثر من الجانب التشريعي على الأقل في المرحلة الأولى، وهذا يمثل ضمانة مهمة لتطوير السياسة العامة للدولة وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية بما يسمح بالاستفادة من مخزون الخبرات المصرية، وهذا كله ممّا يعزز الديمقراطية ويقوّيها ويرسّخها.


وبينما نرى أن معظم دول العالم ولا سيما الدول العربية قد اعتمدت في دساتيرها نظام المجلسين، بالمقابل، يتخلّف لبنان عن ركب التطور البرلماني وبناء الدولة وتقوية مؤسساتها بعد فشل حكامه ومثقفيه في إجراء قراءة أكثر هدوءاً للدستور، وبالتالي لنصّ المادة 22 منه التي تنص على استحداث مجلس شيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية؛ والذي كان من المنتظر أن تشكّل هذه المادة نبتاً برلمانياً في حال تطبيقها، ممّا يؤسس لحقبة جديدة من العمل البرلماني تقوم على مساحة حرية الرأي وتبادل الأفكار.