سيرة مبتكر لبناني عالمي... فاضل أديب لـ"النهار": ابداع الآلات لا يزال بعيداً

مايا صادق

بفضل الأبحاث المتقدمة ومجموعة الاختراعات التي قدّمها في سبيل سلامة البشر اختير ليكون على لائحة الـ" أم آيي تي ريفيو" التي تضمّ أفضل 35 مخترعاً على صعيد كل أنواع الابتكارات تحت سنّ الـ35، كما أدرج اسمه على قائمة فوربس كواحد من بين 30 شخصية تحت الـ30 سنة التي تعمل على تغيير العالم.

ظهرت أعماله مؤخراً في وسائل إعلام عالمية، وفازت أطروحته بجائزة "جورج أم سبراولز أوارد" كونها الأفضل في معالجة الأنظمة اللاسلكية التي توسّعُ حواس البشر. صُنّفت أبحاثه كواحدة من بين الـ50 طريقة التي قام بها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على مدى السنوات الخمسين الماضية مُعدّلةً مسار علوم الكمبيوتر في العالم.

إنه الباحث والبروفيسور الأميركي اللبناني الطرابلسي الدكتور فاضل أديب، المؤسّس والمدير التوجيهي للمجموعة المهتمة بتطوير الإشارات أو الموجات الكهربائية  المتحركة في مختبر الإعلام الخاص بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. يستكشف ويحدّث مع فريقه تقنيات وخواريزميات الاستشعار والاتصالات اللاسلكية مع التركيز على النظم المستقلة والاستشعار الطبي اللاسلكي. وقد نجحوا مؤخراً بإنشاء نظام يسمح للمستهلكين بفحص مشترياتهم الغذائية للتأكد من صلاحيتها وعدم تخللها أي مواد ملوثة تفادياً للإصابة بحالات التسمم. يُطْلِعُ أديب "النهار" على اختراعاته متوّجاً بخطة تقنية حصرية من صنيعه لإنهاء التقنين الكهربائي في لبنان، مُختتماً برسالة إلى الشباب اللبناني.

"كشف المستور"

يفاجئنا فاضل في مكتبه بجهاز لاسلكي يساعده على قراءة مشاعر الإنسان مثل حالات الفرح والغضب والسعادة والحزن، تصل دقّته إلى 87% دون الحاجة لدلالاتٍ مرئية. ويعلمنا أن المنظّمة الرائدة في مجال آليات الحوسبة  "أسوسييشن فور كومبيوتينج ماشيناري" صنّفت أطروحته لهذا الاختراع كواحدة من بين أفضل 20 ورقة في مجال علوم الكمبيوتر في العالم لعام 2018.

اكتشاف العصر

يُخبرنا أنه افتتح عالمه بابتكار الرؤية الخارقة للجدران الذي كان بمثابة "حجر الأساس" لمجموعة اختراعاته المتتالية من بينها الاستشعار اللاسلكي للعلوم الحيوية.

يسرد بأنه بينما كان يجري الاختبارات العلمية بهدف زيادة سرعة شبكة الـ"واي فاي" عن طريق إضافة المزيد من الـ"أنتينات"، لاحظ أن سرعة الـ"واي فاي" تضعف فجأة. وبعد تقصي الحقائق، أدرك أن السبب عائد إلى وجود شخص كان يسير ذهاباً وإياباً وراء الجدار المقابل لغرفة البحث، فتساءل عن إمكانية استعمال الـ"واي فاي" للرؤية خلال العوائق الحسية. كثَّفَ أبحاثه لإثبات هذه النظرية فتحوّل موضوع أطروحته إلى استعمال الإشارات اللاسلكية بغاية الاستشعار.  

أقام بعض التجارب على صديقه لاختبار مدى فعالية وظيفة جهازه المصمَّم لرصد مواقع الأجسام المتحركة. كان يظن أن الجهاز دالٌّ على موقع صديقه طالما أن الأخير مستمر بتأدية حركة جسدية ظاهرة للعيان، ولكن عندما استجاب صديقه لطلبه في الامتناع عن الحركة تبيّن أن الجهاز ما زال يتعقب موقعه وذلك بفضل اختلاف وضعية قفصه الصدري جرّاء عملية الشهيق والزفير مما رَجَّحَ إمكانية الحصول على وتيرة التنفس ومعدل ضربات القلب عن بعد بواسطة موجات هوائية.

رقابةُ قسوةٍ منقذة

يصل عدد المسنّين الذين يتلقون العلاج في غرف الطوارئ جراء حوادث السقوط في أميركا إلى 2,5 مليونين وتحدث 9 من أصل 10 من حالات سقوط في المنازل وغالباً ما تكون الضحية وحيدة بعيدة عن أنظار الآخرين. إثر ذلك وظّف أديب اكتشافه الأخير بإنشاء شركة تدعى "إيميرالد" توفر أجهزة لاسلكية لمراقبة وضمان سلامة المسنّين العُزَّل.

يشرح أنه يكفي وضع جهاز واحد في مكان إقامة المسنّ فيرسل إشارات لاسلكية تتتبّع حركات الفرد وحالته الصحية، وفي حال سقوطه يمكن لهذا الجهاز أن يكتشف ذلك ولو كان في غرفة أخرى أو خلف جدار. كما يعمل على تبليغ مقدّمي الرعاية تلقائيًا عن طريق إرسالهم رسائل نصية عبر "أس أم أس" أو البريد الإلكتروني أو حتى منحهم مكالمة هاتفية وإذا لم يستجيبوا في غضون 3 دقائق، يقوم النظام المبرمج بالإتصال فوراً بسيارة الإسعاف لطلب النجدة. يذكر أديب أن هذا الجهاز يتفرّد بالقدرة على التنبؤ بحالات السقوط قبل حدوثها وهو صالح للإستعمال في دور المسنين لتعقب أكثر من مسنّ في آن معاً.

تشخيص مهارة الآلات العَقْدية

في ظل الحديث الذي لا نهاية له حول تهديد التشغيل الآلي للوظائف البشرية، نسأل أديب عن الأمور التي لا يمكن أن تفعلها الآلات في العقد القادم، يفصح أنه ما زال من السهل خداع الروبوتات في التعرف على الأجسام، فإذا قمنا بتغيير أو حذف بعض النقاط من صورة قطة مثلاً، لن تقدر الروبوتات أن تتعرف إليها بل ستفكر في شيء مختلف تمامًا، وذلك نابع من عجزها في التعميم كونها مبرمجة على أن تقوم بوظائف جداً محددة.

لا ينفي احتمال إبداع الآلات مثل الإنسان ولكن لا يراه سيحدث في الوقت القريب، ويعلّق "نحن لسنا في حالة تمكّنها من استخدامنا". ويجزم قائلاً أنه على الرغم من أن الروبوتات قد تتفوق على البشر مهارةً في تأدية أنواع معينة من الوظائف، إلا أنه لا يعدّها منافسة أو بديلة للبشر بل امتداد وشريك مساهم في تطوير ودعم وتقوية البشر حتى في المجال الصحي، فقد يضاف أجهزة إلى أجسام بشرية لدواعٍ طبية علماً أنه من الذين يعملون على تطوير مثل هذه الأجهزة.

"جهازٌ خيرٌ من قنطار علاج"

يصرّح بأنه قام بتطوير تكنولوجيا تُشحن وتتواصل لاسلكيّاً مع أجهزة تُزْرَعُ داخل جسم الإنسان تهتمّ بتشخيص المرض قبل تطوره أو حتى ظهور عوارضه، كما يمكن وضع هذا الجهاز في حبوب أدوية ذكية بهدف إحكام السيطرة على عوارض الأمراض المزمنة المستعصية كداء السكري والمالاريا والزهايمر وهشاشة العظام، بحيث يكتفي المريض بتناول الدواء مرة واحدة ويتم التحكم بالجرعة المطلوبة وتوقيت بث الدواء عبر تطبيق يمكن تفعيله عبر الهاتف المحمول.

ويضيف أن هذا الجهاز قادر أيضاً على معالجة أمراض الكآبة وداء الصرع والـ"باركنسون" عن طريق تحفيز الدماغ مع الكهرباء أو الضوء بعد عملية الزرع. 

"علم اليوم تكنولوجيا الغد"

لم تقتصر اختراعات فاضل التكنولوجية على اليابسة بل وصلت إلى أعماق البحار، فبعد أن تنبّه إلى صعوبة الطائرات في التقاط الإشارات الصوتية الصادرة من داخل المحيط، ابتكر مكبر صوتٍ يعمل تحت الماء يُرْسِلُ إشارات صوتية "سونار" باتجاه سطح المحيط.

يُفَصّلُ بأن هذه الإشارات تتسبب باهتزازات متناهية الصغر ذات "ميكروميترات" قليلة يمكن تقصيها بواسطة رادار عالي التردد فوق المحيط وفكّ تشفيرها وترجمتها إلى رسائل.

هذا الإبتكار يتيح للغواصات الاتصال بالطائرات كما يساعد في العثور على حطام الطائرات وصناديقها السوداء في المحيط. ولكن الإخفاق الوحيد هو أنه لا يكون فعّالاً في حال وصل طول موج البحر إلى 16 سم والتحدي الحالي هو جعل مكبر الصوت المبتكر نافذاً في جميع الظروف الجوية على مدار أيام السنة.

يلفت أديب إلى أن هذا الجهاز المبتكر يعمل بمعزل عن مولد الطائرة فهو يستمد طاقته من بطارية احتياطية موجودة داخل الصندوق الأسود تسمح له بإصدار إشارة صوتية "سونار" كل دقيقة وكل ساعة. وقد عرضنا عليه اقتراحاً تقنياً متسائلين لمَ لا يأخذ هذا الجهاز طاقته من حركة مياه المحيط ! يعلق مُصَنّفاً إياه بالخلاّق كونه فعّالاً للغاية في جعل طاقة الجهاز ذاتية مدعومة من المحيط وقد يعمل على إدماجه في هذا الإختراع.

"ليش لأ ما منطبّقو!..."

بعد نقاش مع الدكتور لؤي الدادا حول مشروع حلّ تأمين الكهرباء لكل البيوت على الأراضي اللبنانية من الطاقة الشمسية يكون لكل أسرة أو مبنى مجموعة من ألواح وخلايا شمسية، يستجيب أديب لمطلبنا في إتمام الفكرة بخطة تقنية فعّالة قابلة للتطبيق. يقترح استراتيجية تقاسم موارد الطاقة بين أفراد المجتمع كوسيلة لتوفير الكهرباء في ظل التشغيل المنخفض للطاقة الشمسية، أي خلال الأيام الغائمة بحيث يمكن لهذه الأسر أن تتشارك في طاقتها المخزَّنة.

وبهدف الإنصاف في توزيع الطاقة، يخطر له إضافة أجهزه استشعار ذكية تقيس وتوازن وتنظّم تلقائيّاً حجم استهلاك الأسر المستخدمة للطاقة الشمسية المخزنة وتحظر الأفراد الذين يسحبون الطاقة أكثر من المعدل المسموح.

رسالته

يذكر أن والدته سلام مجذوب كانت من أوائل المبادرين في التطوع لإجراء الإختبارات البحثية عليها ولطالما كان لها الفضل في إنعاش دورة حسّه الخلاق، فهي دائماً تبعث فيه الأمل حتى في الظروف المحبطة.

ويختم حديثه متوجّهاً إلى كل لبناني برسالة يقول فيها: "غالباً ما كنت أشعر خلال تواجدي في لبنان أنني مراقب غير فَعّال في هذه الدنيا... تراءى لي أنني قليل التحكم بكل الأمور بما في ذلك مستقبلي وبلدي وعالمي، وأن كل شيء محتّم ومقرر بواسطة عوامل خارج نطاق سيطرتي أو حتى سيطرة البشر.  

خلال مسيرتي الشخصية تعلمت أنني كنت مخطئاً في تلك القناعة. نحن كبشر في الواقع ليس لدينا فقط القدرة على هيكلة مستقبلنا بل أيضاً التأثير على العالم بأسره، ولا شك أن تحقيقه ليس بالأمر السهل. أنا ساهمت في توجيه مسار التطورات التكنولوجية وانطلاقاً من خبرتي الشخصية أؤكد للبنانيين أنّ بِعقْلٍ مُدَبّرٍ نابِضٍ وقلبٍ طموح يمكن لأي شخص أن ينجح في قولبة مستقبله ومستقبل بلده والمساهمة في الإضافة على العالم بأسره".