لم يعطه هديّة مجانية... هل يحاول نتنياهو تقليد حكم بوتين؟

توتّرات قليلة... هدايا كثيرة

توتّرت العلاقات بين موسكو وتل أبيب في أيلول الماضي عقب حادثة إسقاط طائرة إيل-20 الروسيّة والتي أدخل بوتين بعدها منظومة "أس-300" إلى سوريا فيما امتنعت إسرائيل لفترة محدودة عن قصف أهداف داخل الأراضي السوريّة. حتى قبل الحادثة، برزت خلافات عابرة حول إبلاغ الإسرائيليّين للروس بغاراتهم كما حصل عندما قالت روسيا إنّ الإسرائيليّين لم يبلّغوها مسبقاً بشنّ غارات على قاعدة "التيفور" في نيسان الماضي. لكن سرعان ما تبدّد التوتّر، فاجتمع بوتين ونتنياهو أمس في لقاء هو الثاني في شهر ونصف والثالث خلال عام والثالث عشر منذ كانون الأوّل 2015.

في تلك السنة، قرأ نتنياهو تطوّرات التراجع الأميركيّ والتقدّم الروسيّ في الشرق الأوسط فأطلق سياسة متوازنة تجاه روسيا والولايات المتّحدة. كان هذا التوازن مغايراً عمّا اعتمدته تل أبيب خلال الحرب الباردة والفترة التي تلتها لكنّه شكّل ضرورة ملحّة لتقييد النفوذ الإيرانيّ في سوريا. اليوم، يتابع نتنياهو الاستثمار في هذا التوازن سياسيّاً وربّما ينجح في ذلك انتخابيّاً، حيث ساعده رابط صداقته مع بوتين بشكل كبير. ولم يكن أمس المرّة الأولى التي يقدّم فيها بوتين "هديّة ثمينة" لضيفه. ففي أيّار 2016، أعادت روسيا دبّابة إسرائيليّة أصيبت خلال معركة السلطان يعقوب سنة 1982، وقد أتى ذلك بعد حوالي شهر واحد على زيارة نتنياهو لبوتين. وفي آب 2017، تلقّى رئيس الوزراء الإسرائيليّ هديّة من بوتين عبارة عن جزء من أوّل طبعة للكتاب المقدّس العبري "التناخ" مع تعليق وتفسير من الحاخام شلومو يتسحاقي الذي عاش في القرن الحادي عشر للميلاد، فيما قُدّرت طباعة الكتاب في القرن الخامس عشر. لكنّ كلّ هذه الهدايا، بما فيها الأخيرة، قد لا تكون مجّانيّة في نهاية المطاف.


"عائد على الاستثمار"

المساعد السابق لمناحيم بيغن زيف شافيتز، رأى في شبكة "بلومبيرغ" أنّه بغضّ النظر عن ضآلة احتمال أن يكون العثور على رفات بوميل في هذا التوقيت صدفة حقّاً، فمجرّد استقباله من قبل بوتين حمل "لفتة قيّمة" لنتنياهو من دون أيّ التباس. "لكنّ بوتين، مع ذلك، يريد عائداً مقابل استثماره". يفصّل شافيتز هذا العائد بكونه يكمن، على المستوى التكتيّ، في إرادة بوتين منع إسرائيل من التدخّل في جهوده من أجل تأمين استقرار نظام الرئيس السوريّ. ولأنّ بوتين "مفكّر استراتيجيّ" أيضاً، يريد الرئيس الروسيّ أن يكون جزءاً من المفاوضات حول "صفقة القرن" التي يُروّج لها كثيراً والتي من المتوقّع أن يتمّ الإعلان عنها قريباً بحسب رأيه. ولم يستبعد الكاتب نفسه أن يكون بوتين يريد اعترافاً أميركيّاً بضمّ روسيا للقرم، وهذا يصبح أكثر واقعيّة مع اعتراف ترامب الأحاديّ الجانب بسيادة تل أبيب على الجولان. من هنا، يمكن أن يكون نتنياهو وسيطاً في اتّفاق كهذا.

إذا كان نتنياهو سيستفيد من زيارته أمس روسيا، كما استفاد سابقاً من زيارات مماثلة، فالإفادة لا تنحصر فقط في الانتخابات المرتقبة الأسبوع المقبل. بحسب البعض، يريد نتنياهو أن يستفيد من الحدث الانتخابيّ، لكن ليس بكونه استحقاقاً موقتاً يضمن الحكم لفترة من الزمن، بل الأهمّ لكونه يظهر التوجّهات السياسيّة العامّة لطبقات المجتمع الإسرائيليّ على مدى فترات طويلة من الزمن. فتقرّب نتنياهو من بوتين، وفقاً لقراءة محدّدة، يعبّر جزئيّاً عن رغبته في تعلّم وربّما استنساخ تجربة حكم بوتين في روسيا.


توجّهات سياسية "طبقيّة" مشتركة؟

في 22 آب 2017، ذكرت الصحافيّة تزفيا غرينسفيلد في "هآرتس" أنّ من يراقب نوعيّة السيارات في روسيا يلاحظ أن لا وجود تقريباً لطبقة وسطى في روسيا شبيهة بتلك الموجودة في الأراضي المحتلة. لكن بالاستناد إلى تجديد الشقق وتوسيع "المترو" في موسكو وسانت بطرسبورغ وتحسينات بارزة أخرى، يعد بوتين ناخبيه بانتشالهم من الطبقة الدنيا. تتابع غرينسفيلد أنّ نتنياهو يريد إسناد نظامه إلى نموذج مشابه، إذ منذ دخوله المعترك السياسيّ كان هدفه الأساسي، كما بوتين، تأمين أصوات إسرائيليّي الطبقة الدنيا، من دون العرب طبعاً، في مقابل إدخالهم الطبقة الوسطى. وتشرح أنّ الطبقة الوسطى القديمة المؤلّفة بغالبيّتها من الأشكيناز والتي تصوّت لأحزاب الوسط واليسار لا تهمّ اليمين الحاكم، بينما الطبقة الوسطى الصاعدة تؤمّن جوهر الدعم لليكود.

ليس واضحاً ما إذا كان نتنياهو بحاجة فعلاً للتعلّم من أسلوب بوتين في ضمان أصوات طبقة بعينها. لكنّ الأكيد أنّ الرئيس الروسيّ قادر على تأمين مصالح نتنياهو في مجالات عدّة، ومنها المجال الانتخابيّ، على الأقلّ في المعنى الضيّق للكلمة كما قد يحصل الثلاثاء المقبل. وإذا كان شافيتز محقّاً حول مطالبة بوتين ب "عائد على استثماره"، فإنّ نتنياهو قد يجد نفسه في موقف محرج بعد فوزه المحتمل، لأنّه قد يتوسّط لدى ترامب في مسألة صعبة مثل الاعتراف بشرعيّة ضمّ روسيا القرم. كذلك، قد لا يكون نتنياهو في موقف مريح لأنّه قد يساعد بوتين على توسيع نفوذه في مفاوضات "صفقة القرن"، لكن من دون ضمان أنّ تزايد هذا النفوذ سيفيده على المدى الطويل. فهل سيشعر نتنياهو بعبء الدين المفترض بعد الثلاثاء؟