افتتاح مهرجان "بايبود" وفسحة "سيتيرن بيروت" بعرض رائع بقسوته!

الأجساد المعذّبة تعكس عنف الحرب وتدميرها المعالم التاريخيّة، حاصدة معها ثوب الروح وسواراً يُزخرف رقصتها الانسيابيّة. ويتغضّن من حولها. ويحاول أن يمنع توبتها. الحرب مرّت من هنا. ها هو طيفها يتراجع بما يُشبه الخجل من حلب، هذه المدينة النبيلة بحزنها. انسحب ببطء آخذاً معه مئذنة الجامع الأموي الكبير التي ارتفعت على مدى قرابة ألف سنة. ماذا يبقى في الأرض بعد حصاد الدماء؟

أجساد تحتضر وتروي قصّة هذا المعلم التاريخي الشاهد على مخمليّة ترتعش ألماً، ومع ذلك تتحرّك برشاقة وسط أنينها وهذا التخبّط الموجِع تحت الركام. مساء أمس كانت الأجساد الراقصة أشبه بكومة قش في حقل منسي. مجنونة. تائهة. لاذعة في حديثها. قاسية في سردها. تتأرجح ما بين السرياليّة والقصص الواضحة وضوح الشمس.

مساء أمس، لم يكن فقط إفتتاح مهرجان #بايبود في دورته الـ15. بل كان أيضاً افتتاح فُسحة "سيتيرن بيروت" المتعدّدة الاستعمال. بيت الثقافة والأجساد الحرّة بتعبيرها الحار. فرقة "مقامات" مُجسّدة بالكوريغراف والراقص #عمر_راجح والمديرة الفنيّة لـ"بايبود" ميا حبيس وأنطونيا كروشيل، شارلي برينس، مونسوك شوي، وياميليا خضر قدّمت عرض "ميدنه" (#ميدنه). والجمهور لم يتمكّن من التنفّس بطريقة طبيعيّة طوال 60 دقيقة. قسوة مطلقة. طنين. تخبّط. هلوسات مرئيّة. عزف موسيقي مباشر. وهذا الطنين الذي يُشبه ذبابة "معصّبة وعم تحتضر"، وفق إحدى الشابات التي وضعت يدها على صدرها طوال العرض كأنها تحمي جسدها من أحد المتطفلين (من رقصة الأجساد القاسية بواقعيتها؟).

أجساد مُنهكة، تواجه على طريقتها كلّ هذا الدمار. هو انتهاك للخصوصيّة. هذا الدمار لمدن بكاملها. ماذا يحل بحميميّة الإنسان؟ الأجساد مُزعجة بصراخها الذي لا يتوقّف طوال 60 دقيقة. بكاؤها موجع. يُضايق الجمهور. ومع ذلك، ما إن ينتهي العرض المتقن و"المبكّل من كل الميلات"، حتى يقف مصفقاً لدقائق طويلة. الكبير عبد الحليم #كركلا يعتلي الخشبة ويهنئ الفرقة. الراقصون منهكون. يبتسمون ولكنهم منهكون. عرض "مبكّل بس بيقطع النَفَس"!

 Hanadi.dairi@annahar.com.lb