مفاوضات إلغاء صفقة "أس-400"... هل تتأثر بنتائج الانتخابات التركيّة؟

تداخل ومزايدات

بذل إردوغان جهوداً مضنية في الحملة الانتخابيّة خلال الشهرين الماضيين من أجل الفوز بالانتخابات التي وصفها بأنّها "مسألة بقاء" لتركيا. ولم يشأ إردوغان – أو لم يستطع – فصل تلك الانتخابات عن السياسة الخارجيّة لبلاده. لو تحقّق فعلاً ما بدا في المتناول أواسط كانون الأوّل الماضي حين أعلن الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب تأسيس منطقة آمنة تديرها تركيا شمال سوريا، لاستطاع إردوغان تحقيق أكثر من مكسب. لكنّ تراجع ترامب عن الوعد جعل أردوغان يخسر هدفين على الأقلّ:

الأوّل إعادة إثبات أهمّيّة بلاده كلاعب إقليميّ يعلم كيف ينتزع شرعيّة مصالحه من الدول الكبرى، أمّا الهدف الثاني فهو إعادة جزء كبير من اللاجئين السوريّين إلى هذه المنطقة. في هذا السياق، شكّل ملفّ اللاجئين مشكلة داخليّة في تركيا ظهرت خلال الحملات الانتخابيّة. وفي 26 آذار، هدّد المرشّح إلى رئاسة بلديّة اسطنبول بن علي يلدريم بترحيل اللاجئين إذا تسبّبوا باضطرابات "في اسطنبول وفي أيّ مدينة أخرى".

أصبح الملفّ السوريّ بتفرّعاته كافّة أساسيّاً بالنسبة إلى إردوغان حتى على مستوى ربطه بالانتخابات المحلّيّة. وكان لافتاً للنظر، كيف وجد الرئيس التركيّ وقتاً خلال كلمته إلى مناصريه مساء الأحد يتحدّث فيها عن ضرورة حلّ هذا الملفّ بشكل "حتميّ" وعلى قاعدة حيازته الأولويّة في مسار ما بعد الانتخابات. أتى هذا الكلام حتى بعد تكشّف الكثير من النتائج السلبيّة بالنسبة إلى حزبه: "سنحلّ الملفّ السوريّ حتماً فوق الميدان، إذا كان ممكناً، وليس على الطاولة، على أنّه العمل الأوّل بعد الانتخابات". ومع أنّ إردوغان تحدّث عن "الممرّ الإرهابيّ" على الحدود التركيّة قاصداً به المناطق التي تسيطر عليها "قوّات سوريا الديموقراطيّة"، يبقى أنّ ملفّ اللجوء تسبّب بالكثير من المزايدات بين يلدريم والتحالف المعارض، خصوصاً "الحزب الجيّد" صاحب التوجّهات القوميّة.


التوازن المستحيل

إذا كان الملفّ السوريّ ينعكس على موقع إردوغان الداخليّ، فتعاطيه مع ملفّات أخرى مثل العلاقة مع روسيا والولايات المتّحدة قد يترك بصمته في هذا المجال أيضاً. ربّما كان إردوغان هادفاً إلى تحقيق توازن في التعامل مع الروس والأميركيّين لتحقيق مكاسب إقليميّة أكثر. ولعلّ حيازة منظومتي "أس-400" الروسيّة و "باتريوت" الأميركيّة كانت لتشكّل المثل "النموذجيّ" عن إمكانيّة تحقيق توازن كهذا. لكن عمليّاً، بقي تحقيق هذا الهدف شبه مستحيل أكان "على الطاولة" أم "فوق الميدان" بحسب تقسيم الرئيس التركيّ.

كان واضحاً منذ فترة أنّ الولايات المتّحدة لن تسمح بتحقيق صفقة كهذه، أكان في الإدارة أم في الكونغرس. ربّما تصرّفت واشنطن بشيء من المرونة التي أعطت انطباعاً خاطئاً لإردوغان بأنّها قد تقبل بحصوله على "أس-400" في نهاية المطاف. فهي مدّدت نهاية مهلة التفاوض من أواسط شباط وحتى آخر آذار كي تتمكّن أنقرة من مراجعة موقفها بشأن الصفقة الروسيّة. كذلك، قدّمت إليها صفقة "الباتريوت" بعرض قالت إنّه لم يُقدّم إلى دول أخرى في حلف شمال الأطلسيّ. لكن مع مرور الوقت يتبيّن أنّ كلا الطرفين غير مستعدّ للتراجع عن موقفه.


صفقة التسليح معزولة عن النتائج؟

قد يكون إردوغان مستخدماً الخلاف حول صفقة "أس-400" لتشتيت الانتباه عن المشاكل الداخليّة بحسب ما كتبته لارا سيلغمان في مجلّة "فورين بوليسي" الأميركيّة. لكنّ هذه المشاكل أصبحت أكبر من أن تُحجب بعد الانتخابات المحلّيّة بما يمكن يجعل الرئيس التركيّ في موقف أضعف وسط مفاوضاته مع الولايات المتّحدة. بالتالي، يمكن واشنطن استغلال هذه النتائج لفرض مزيد من الضغوط على الرئيس التركيّ في هذه المفاوضات. لكنّ مراقبين آخرين يشكّكون بمدى تأثير نتائج الانتخابات على مسار المفاوضات ككلّ، لأنّ الأزمة أعمق وأقدم من انتخابات محلّيّة الطابع.

"لا أعتقد أنّه سيكون لنتائج الانتخابات تأثير مباشر على القرار بشأن ‘أس-400‘". هكذا أوضح النائب التركيّ السابق سوات كينيكلي أوغلو موقفه من هذه المسألة ل "النهار".

أوغلو، أكاديميّ في مركز الشرق الأوسط التابع لجامعة "أوكسفورد"، أشار إلى أنّ الخيارات اليوم ضيّقة أمام أصحاب القرار في أنقرة وهي لن تصبّ في مصلحة تركيا على المدى الطويل: "سيكون على صنّاع القرار في تركيا أن يقرّروا ما إذا كان الأمر يستحقّ مواجهة الولايات المتّحدة حول هذا القرار بما أنّ العقوبات مرجّحة وسيعقبها تدهور شامل في العلاقات". بحسب أوغلو، يبدو أنّ الأتراك مستمرّين في اتّباع منهجيّة المفاوضات "حتى الدقيقة الأخيرة".

لكن ما هو غير واضح حتى الآن، خيار تركيا بعد تلك "الدقيقة" عندما ستضطرّ إلى حسم تحالفاتها العسكريّة الاستراتيجيّة "بشكل لا لبس فيه".