مأساة السيّد الجليل في بنت جبيل: "لهون وصل الوضع؟"

الصورة صادقة، لا غشّ فيها. سيّد جليل معمّم، و"لهون وصل في الوضع". "شو هالزمن يللي وصلنالو". صحّ. من مرّ في بنت جبيل أمس الخميس، امكنه رؤية مشهد يحزن له القلب. السيّد جلس عند جانب الطريق، ليسترزق قليلا. وما كان يبيعه هو مكتبته، كتبه. وكان ينتظر بصبر، بصمت. "نعم، ابيع مكتبتي"، يقول لـ"النهار". هذا كل ما تبقى لديه ليبيعه. صرخة الوجع مدوية.

حكاية السيّد علي عباس شكر تنكأ الجرح، تحرقه. الظروف وصلت به الى درجة لم يعد يستطيع فيها "تسديد ايجار المنزل". امر واحد بين امور اخرى وجد نفسه اخيرا عاجزا امامها، متألما. لكنه لم يستسلم. "لا اريد شفقة. لكن في هذا الزمن الذي نعيش فيه، لا عدل، ولا عدالة"، يقول. في اوج الوجع، يتوجه الى "كل المسؤولين السياسيين والحزبيين" مصارحا: "المشكلة ليست عند السيد علي شكر فحسب، انما ايضا عند الشعب اللبناني كله". ويتدارك: "الوضع مزر للغاية".

مشهد السيّد في الطريق استوقف كثيرين، خصوصا على وسائل التواصل الاجتماعي. الصورة لم تدع أحدا غير مبال. التعليقات "من فجّ وغميق"، "ولوين رايحين؟ ما حدا عارف". "الك الله يا عبد الله"... يكتب بعضهم. مأساة السيّد شكر تهزّ. نسأله عما سيفعله عندما تنتهي كتبه، ويجيب: "اؤمن بان الله موجود، وهو لا يترك احدا".

من النبي شيت (بعلبك)، السيّد شكر. ويسكن حاليا في معروب، في مبنى متهالك، الرطوبة تأكله، و"حالته تعبانة". الايجار "300 دولار مع فواتير كهرباء"، ويعجز عن الدفع. كل شهر، تتجدد "المعاناة ذاتها"، و"أعيش حالة نفسية صعبة". احدى امنياته ان يجد من يستطيع من "اهل الخير" مساعدته، و"يؤمن لنا شقة لائقة".


"يتعاطف" معه الحاج حسين من بلدية معروب، و"لا يأخذ مني منذ اشهر عدة سوى رسم اشتراك في المولد بقيمة 10 دولارات شهريا". الى جانب المعاناة في الكهرباء، هناك ايضا الماء، اذ يتوجب على السيّد ان يدفع لشركة المياه اشتراكات "متراكمة منذ خمس سنوات". "جاؤوا مرة وهددوني بقطع المياه. قلت لهم انني عاجز عن الدفع. وسادفع، عندما يصير معي المال". بسبب شحّ الماء، بات يعاني "حساسية جلدية". ويصبر.

وضع "تعيس جدا"

وكأن الصعوبات المالية لا تكفيه. السيّد يعاني وزوجته وضعا صحيا متفاقما، "سكري وضغط ومشاكل في الظهر. الوضع الصحي تعيس جدا"، بتعابيره. ووصل الانهيار الى لقمة الخبز. "في شهر رمضان الماضي، لم تكن لدينا ربطة خبز. الحاج حسين من البلدية أمّنها لنا مشكورا، مع كرتونة مساعدات غذائية".

للسائلين، حاول السيّد شكر ان يجد رزقا له ولعائلته. كانت لديه سيارة "رابيد" يستعين بها لبيع احذية والبسة بالية مع ابنه. ولكن خلال وصوله الى صيدا، حجزوا له السيارة، "لانها لم تكن مسجلة". ضربة قوية شلّته. حاول الحصول على رخصة نحل لتسجيل "الرابيد"، لكنه تم رفضها. نكسة جديدة. "من اجل فك الحجز (والضبط بـ3 ملايين ليرة) عن الرابيد، اضطر ابني الى الحصول على قرض لدفع مليون و200 الف ليرة. وبهذا المبلغ امكننا استرجاع الرابيد، لكن ممنوع علينا قيادته قبل تسجيله واتمام الاجراءات الرسمية بهذا الخصوص". وينتظر الفرج.

ماذا عن "الخمس" الذي يسأل عنه كثر على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي من شأنه ان يحمي رجل الدين من العوز؟ يجيب: "ثمة اشخاص يريدون التخميس، وآخرون لا. وهناك من يخمّسون لدى رجال دين يعرفونهم. وهناك مكاتب لقادة دينيين. "كل ناس لجهة معينة". اما انا، فلست محسوبا على احد. أنا للجميع، مع كل الشعب اللبناني، مع كل الشعب المستضعف".

لا يخفي السيّد شكر ان "علماء كثرا يعانون مثلي، وهم مدفونون ولا احد يسمع بهم. وهناك ايضا شباب مدمرون، يهربون من البلد، يهاجرون، عاجزون عن تحقيق شيء". ويستعيد على غفلة اسم شاب، "خريج جامعة"، التقاه ذلك اليوم في النبطية، و"اليوم ينام في خربة". يعني شو بدي احكيلك؟ كل الشعب يعاني، ما عدا هؤلاء الذين لديهم مال ومتسلطون على العباد".

النضال يومي، صعب، منهك. كل خميس، يتوجه السيد الى بنت جبيل، عارضا كتبه للبيع في السوق الشعبية. يرافق ابنه عباس الذي يسعى بدوره الى بيع قطع ثياب "بالية مستعملة". "اساعده احيانا"، على قوله، ولكن "اشغال ما في". واذا وُجدت، فتكون خفيفة جدا".

هل تريدون ان تعرفوا ما يتوق اليه؟ ان يساعده "قدير او واحد من اهل الخير في فتح مؤسسة، لان العلم نور، والجهل ظلمة. ونشر الكتب مفيد، ويعود بالخير على الجميع". "اهل الخير كثر"، بتعبيره. ويشكر كل الذين تعاطفوا معه على وسائل التواصل الاجتماعي. لكنه يتذكر، مجبرا، ان "كل الناس في هذا البلد يعانون وضعا صعبا... مثله".

hala.homsi@annahar.com.lb