مشاهدات وآراء من ساحة التشييع: "لم يعد ينفع الكلام"

محمد نمر

 بأجساد منهكة وشعور غاضب وأليم، وقفت قوى "14 آذار" على أدراج مسجد محمد الأمين في وسط بيروت توّدع "شهيد الاعتدال" مستشار الرئيس سعد الحريري الوزير السابق محمد شطح ومرافقه طارق بدر في مأتم شعبي ورسمي. اقترب النعشان محمولين على الاكتاف. سُمعت من بعيد كلمتا "الله وأكبر". عينا الرئيس فؤاد السنيورة تلاحقان نعش رفيق الدرب الوزير الشهيد. ساد الصمت لدقيقتين واكثر، خرقه هتاف شاب رفع على الاكف: "قتلوه ولاد الحرام.. لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله". الهتاف استنفر هتافات شبيهة عبّرت عن الغضب والمطالبة بعدم هدر دم الشهيد.
جلس المصلون القرفصاء داخل المسجد أمام نعشي الشهيدين. جلس النائب نهاد المشنوق ساندا ظهره الى أحد الجدران، رفع رأسه إلى الأعلى، يغطي وجهه الاحمر والغاضب بكفه. لقد ودع العديد من رفاق دربه حتى الآن. ابنا الشهيد شطح لا يفارقان النعش، تارة يلمسانه، وتارة اخرى يضعان رأسيهما على الحاجز الخشبي الذي يفصلهما عن ابيهما-الجثة.
وقف الجميع وحان موعد الصلاة على الشهيدين، والتي أمّها مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار. خلال الصلاة، توسط الرئيس السنيورة كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس المكلف تمام سلام. انتهت الصلاة وبدأت كلمة الشعار التي القاها من بين الجموع. "الحكومة ستتشكل قريبا، يوم يلتقي الحكماء وجلّهم في مسجدنا"، قال المفتي مؤكدا ان الاعتدال سيبقى سيّد الموقف.
في الساحة التي جمعت المشيّعين المسلمين بأمر الله والغاضبين من القاتل نفسه، لم يسلم "حزب الله" وأمينه العام السيد حسن نصر الله من هتافات الحشود. احدى اللافتات كتب عليها "لن يخيفنا القتل بل سيزيدنا عزماً وتصميماً لبناء وطننا".
النائب خالد زهرمان في باحة المسجد الخارجية، يرقب الحشد ويقول لـ"النهار": " لم يكن هناك قرار بتجييش جماهيري للنزول إلى الساحة، والحضور هم من المتعاطفين".


خرج الشهيدان محمولين على أكتاف المحبين الذين راحوا يرقّصون نعشيهما تحضيراً لدفنهما إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري. تصرخ سيدة منهارة :"والله العظيم أشعر أن الشهيد الحريري معنا". انتهت عملية دفن الشهيدين. عند مدخل الضريح، وقف شاب يحمل لافتة كُتب عليها: "معها حق مي شدياق تقول للسيد حسن إذا انت مش فاضيلنا نحنا مش قاريينك، ونحن نضيف: ما قاريين مشروع ايران .. ونقطة على السطر".
في الجوار، يقف النائب معين مرعبي، ومعالم الحزن تطغى على وجهه، يحاول تهدئة اندفاعة بعض الشبان وينتظر مضمون كلمة الرئيس السنيورة. اعتلى الاخير المنصة وبدأ كلمته بنبرة غاضبة، معلناً القرار بتحرير الوطن من "احتلال السلاح غير الشرعي". صفق له المرعبي وتبعته الجماهير مرددة "لا إله إلا الله" ليُسمع من بعيد صوت "يا بيروت بدنا التار من 8 آذار".
بين الحشود، مجموعة من الشبان يحملون أعلاما لبنانية، يقول أحدهم ويدعى عمر الهيبة "اتينا من حارة الناعمة لنشارك في التشييع، حضرت لأن الوزير شطح من المعتدلين، وادعو قوى 14 آذار لعدم الوقوع في الفخ مجدداً".
الشابة ضحى عبدو وقفت بين رفيقاتها الى جانب الضريح تتلو سورة الفاتحة، لتقول بعدها لـ"النهار": "نزلنا من عكار لنثبت وطنيتنا أمام كل الشهداء الذين ذهبوا هدراً، ربما الخوف منع الناس من النزول، واعتقاد الناس ان الكلام والتظاهر غير نافعين وانما الفعل، ولا بد من تشكيل حكومة وعقد اتفاق يشبه اتفاق الطائف، حتى تتقارب القلوب ونعيش معاً".
الستيني مصطفى الشقيفي ابن طريق الجديدة، يرى أن ما حصل (الاغتيال) مسلسل منطقي، فمن يهدد ينفذ وما في واحد انقتل ما كان مهدداً". بماذا تطالب؟ يجيب بحسرة: "طلبي حلم.. الله يهديهم.. الله يهدي المجرمين، وردنا قد يدخل البلاد بأزمة.. فيكفي الله يهديهم".
بين المشاركين في التشييع والآتين من طرابلس، ععميد حمود، قائد محور سابق، كان يسير خلفه بخطوات ثابتة عشرات الاشخاص من مناصريه. توجه مباشرة الى الضريح حيث قرأ سورة الفاتحة. غادر مسرعاً بعدها، فيما مرافقه يأمر الآخرين لاسلكياً بتشغيل محركات السيارات. عميد حمود لا يريد التصريح. يكتفي بالقول "لم يعد ينفع الكلام .. لسنا من اهل الكلام"، ويطلب منا ان نذهب للتكلم مع من وصفهم بـ"اصحاب الدكاكين".
الشابة ندى عيتاني خرجت من باحة الضريح، ترفع العلم اللبناني وتردد: "شعبنا مناضل.. لا يجب ان نسقط ولا بد من ثورة لأن عددنا ينقص ويقتل رجالنا وهم غير مبالين.. التطرف خطأ ويجب على 14 آذار أن تتماسك وإلا سنلحق بالشهداء جميعنا".
عند بوابة صالة العزاء، وقف عبد الرحمن السوقي الذي جاء من مشمش في عكار للمشاركة في التشييع، وقال "كفانا دماء ودموعا، نريد تشكيل حكومة من غير الحزبيين، وفريق 8 آذار بكامله مسؤول امام الله والشعب والوطن عن الجرائم إذا لم يتخذ موقفا يثبت عكس ذلك".


mohammad.nimer@annahar.com.lb
twitter: @mohamad_nimer