جسر جل الديب لم يحل أزمة السير... ولا مفر من الخطط المستدامة

ندى أيوب

افتتح جسر #جل_الديب السبت في 16 شباط، بعد عام ونصف عام على بدء بالعمل به، مع ما رافقه ذلك من أخذ ورد بين معارض للجسر ومؤيد، وخلاف حول الشكل الذي يفترض أن يتخذه. الا ان ما يعني المواطن اللبناني الغارق في معظم الأحيان في زحمة سيرٍ تشهدها أغلب طرق لبنان، هو ما إذا كان الجسر سيخفف المشكلة. أمل سالكو اوتوستراد ضبية–نهر الموت بنوعٍ من الانفراج، ثم ما لبثت أن خابت التوقعات. وبعد أسبوعٍ من تاريخ السماح بالسير على الجسر، استطلعنا آراء المواطنين الّذين عبروا عن غضبهم من مشروع رأوا فيه "هدرا للمال العام لغايات سياسية". في المقابل، يرد المدافعون بأن "في الأمر مغالطة، والغاية من الجسر لم تكن حل أزمة الازدحام على الاوتوستراد"! المشروع يضم بناء جسرين (جل الديب ونهر الموت) واصلاح طريق داخلية وتوسعتها بتكلفة 12 مليون دولار، مرصودة منذ عام 2009.

تسلك دونا- ماريا نمور اوتوستراد ضبية – نهر الموت يومياً، متجهة من مكان سكنها في انطلياس الى عملها في العاصمة. وعند سؤالها عن حركة السير بعد الافتتاح تستشيط غضباً: "اجتزأوا خطاً من الطريق، فتضاعفت زحمة السير. عدا عن أننا كمواطنين نشعر بأن أموالنا هدرت لبناء جسرين ارضاء لفئة قليلة تطالب بالمشروع ومن أجل غايات سياسية ودعم صورة العهد، علماً أن سالكي الاوتوستراد هم الغالبية الساحقة مقارنة بعدد المركبات القليلة جداً التي تسلك جسر المتن". ساعة و15 دقيقة، تحتاج دونا الى اجتياز المسافة من انطلياس الى منطقة الجناح، والمدة نفسها في طريق العودة. تتمنى لو ان "المبلغ المرقوم" صُرِف فعلاً على خطة تخفف الزحمة التي ترهق اعصاب اللبنانيين وصحتهم بشكل يومي على اوتوستراد ضبية – نهر الموت".

الحديث عن جسر جل الديب يثير أيضاً غضب ايهاب عمرو الذي يسلك الطريق يومياً. "يا ريتو ما انعمل"، بهذه العبارة يبدأ حديثه، واصفاً الوضع كالآتي: "في السابق كانت الزحمة عند نقطتين: جونية و"السيتي مول"، أما اليوم فتمتد من ضبية الى "السيتي مول" بسبب جسري جل الديب ونهر الموت". ويتوقع أن تزداد حدة الزحمة، قائلاً ان "مدخل جسر جل الديب يبعد أقل من مئتي متر عن مخرج انطلياس، ما يفرض تزاحماً بين الداخل الى جل الديب والخارج من انطلياس. الأمر الذي يتنافى مع أبسط معايير وقواعد تخطيط وتصميم الطرق".

هكذا تُحَل الأزمة

"توسيع طريقٍ هنا أو بناء جسرٍ هناك لا يحلّ أزمة السير"، يجزم خبير الطرق والسلامة المرورية كامل ابرهيم. والحال تنطبق على جسري جلّ الديب. يقول ابرهيم: "المشروع لا يخفف الزحمة. هو أتى تلبية لرغبة المطالبين به (أهالي جل الديب) اللذين يعتبرون أن منطقتهم بوابة أساسية في المتن ويحق لهم بمدخل". و"يبشّر" سالكي الأوتوستراد بأن "انتهاء الأعمال لا يعني ان الزحمة ستتراجع بشكل اساسي".

أما إذا ما أردنا حل أزمة السير بشكل جدي وفعّال، فعلينا بداية البحث عن "القرار السياسي". قرارٌ يدفع الى وضع "خطط جدية ومستدامة تعتمد على وسائل نقل بديلة، وتؤسس لنقل عام مشترك، منظّم وآمن يخفف عدد المركبات على الطرق"، يراها ابرهيم الحجر الأساس لحل الأزمة "شرط أن تنفّذ بالطريقة الصحيحة. وليس كسابقاتها". تلعب كذلك "الحكومة الالكترونية واللامركزية الادارية دوراً في الحلحلة.

تخفيف الازدحام لم يكن الهدف

وأوضح مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الهندسية أنطون سعيد، أن فتح جسريّ جل الديب أمام حركة المرور لا يعني انتهاء الأعمال التي يفترض أن تنتهي في أيار المقبل، تاريخ الافتتاح الرسمي للمشروع. وحينها "قد تتراجع نسبة الازدحام على أوتوستراد ضبية– نهر الموت عما هي اليوم بسبب أعمال الصيانة التي يخضع لها، كالتزفيت والتزييح من نهر الموت وصولاً الى انطلياس، لتعود حركة السير والازدحام عما كانت عليه قبل انشاء الجسر تماماً"، نافياً تضييق الاوتوستراد من أربعة خطوط الى ثلاثة "كان 4 خطوط وستبقى كذلك".

وفي حديث الى "النهار"، شدد سعيد على أن "الجسر لم تكن الغاية منه حل أزمة السير على الاوتوستراد، انما تخفيف ضغط السير عن بعض النقاط، التي كان يدخل ويخرج منها أهالي جل الديب ومحيطها، كنقطة الـ"geant" في نهر الموت ومخرج انطلياس في اتجاه بيروت، بهدف حل أزمة الازدحام على أهم منفسٍ من منافس المتن". وعلى قاعدة أن "جل الديب والمحيط من أكثر مناطق المتن اكتظاظاً بالسكان، وكان لها في الماضي جسر أزيل بعدما ساءت حالته"، لا يرى سعيد مشكلة في المشروع.

الحال لن تتغيّر. أوتوستراد ضبية– نهر الموت، الذي يشهد يومياً مرور أعداد هائلة من السيارات عليه من بيروت واليها، باقٍ على حاله. أما المعالجة فتكون بحسب سعيد "من خلال مشروع قيد الدراسة اليوم في مجلس الانماء والاعمار، يتمثّل باستحداث طريق ساحلية من شارل حلو الى ضبية، ولها نقطة التقاء على الأوتوستراد الحالي. ويصبح للعاصمة بيروت مدخلان: عند شارل الحلو والصيفي". ويندرج هذا المشروع ضمن العديد من المشاريع التي رصدت لها أموال في مؤتمر "سيدر"، ويحظى بأولوية لجهة التنفيذ السريع.