انتقاد بنّاء للقضاء أو هدام؟

من الطبيعي أن ننتقد القضاء أو القاضي علميا وموضوعيا في أي قرار يتخذه. ولكن النقد الذي يصب خارج هذا الاتجاه ويقع في خانة التشهير المتقطع او المتواصل بهما من شأنه أن يدمر صورة القضاء أمام الرأي العام بوصفه مؤسسة تُعتبر أساسا لقيام دولة المؤسسات والقانون . هذه الناحية سبق أن تعرض لها مجلس القضاء الاعلى وعاضده في ذلك نادي القضاة في بيان خلال الساعات الاخيرة بإزاء استمرار التعرض للقضاء والتطاول على القضاة عموما أخيرا في بعض الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

فثمة أجواء في أروقة قصر العدل إستوقفتها هذا التطاول إنطلاقا من إعتبار مآله أن قيام المؤسسات في الدولة يقضي بإلتزام القواعد القانونية التي نص عليها القانون لجهة كيفية الطعن بالقرارات القضائية وخصوصا ان فلسفة القانون تعتمد على تعدد درجات المحاكمة ومراقبة محكمة التمييز لها. فعمل المؤسسات يخضع لقانون يراعي الاصول الواجب اتباعها. وثمة إعلام يستهدف القضاء بطريقة تدميرية هدامة ، بحسب هذه الاجواء، وينم عن عدم موضوعية أو حيادية بعيدا من هدف التحسين في الاداء. فعندما يُشن هجوم متواصل على مؤسسة أساسية في مؤسسات الدولة فمن شأن هذا الهجوم ان يفقدها من مصداقيتها ومن حجة الاقناع أمام الرأي العام في أي قرار تتخذه ما يسىء الى المواطن في شكل مباشر أو غير مباشر ويعتكف عن اللجوء إليه لتحصيل حقوقه. وأبعد من ذلك فإن أول شرط لجلب الاستثمارات الى لبنان يكون بوجود قضاء يبت في النزاعات ، فكيف هي صورة الواقع الحالي بإزاء الانتقاد المتلاحق لهذه المؤسسة بعيدا من الموضوعية؟. ومن وجهة نظرها فإن ذلك يستدعي وجود قرار لتحصين القضاء ودعمه مع نقده موضوعيا في المقابل. وهو أمر غير صعب المنال وصار تطبيقه في أماكن أخرى. \\

فمحاذير الانتقاد لمجرد الانتقاد من شأنه الايصال الى نهاية غير حميدة لهذه المؤسسة ككل . وفي حال صعب أمر التحييد طرح النادي وجهة نظر مفادها ان تعديل قانون العقوبات بما يمنع التعاطي الاعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي بالقضايا المطروحة امام القضاء من شأنه تحييد القاضي بالحد الادنى ويبعده عن الضغط النفسي الذي يمكن ان يعيشه خلال نظره في ملف من الملفات التي تهم الرأي العام. وفي هذه الناحية يمكن إعتبار ضغط الرأي العام تدخلا غير مباشر في عمل القضاء والقاضي في ملف مطروح أمامه. والتعديل الذي طالب به نادي القضاة مأخوذ عن القانون الفرنسي المستوحى منه القانون اللبناني أساسا"، ويعتبر ان التشهير بقاض كلاميا او كتابة او بصورة على فعل أو قرار قضائي في ظل ظروف يمكن ان تقوض سلطة العدالة او إستقلالها يعاقب صاحبه بالحبس ستة أشهر وغرامة بقيمة 7500 أورو. ويضيف أن "هذه العقوبة لا تطبق على النقد الموضوعي الهادف الى الاصلاح او إلغاء القرار ونقضه".

وها القضاء يحاسب نفسه إنطلاقا من التفتيش القضائي والنيابة العامة التمييزية. حلَ هذا الامر وحلوله خير من ان لا يأتي أبدا".ففي مفهوم الدول المتطورة ان المحاسبة والمساءلة في المؤسسات العامة فعل يومي وجديتهما تؤسس لمستقبل مطمئن دائما.