الموت في "ستاركو" والآلام في مستشفى الجامعة الأميركية... "الله لا يوفقهم... خربوا البلد" (بالصور)

محمد نمر

الصوت وحده كان كافياً لنعلم انه انفجار. بفعل قوته وقربه اهتز مبنى جريدة "النهار". السحب الدخانية السوداء كانت الدليل الاسهل لتحديد موقع الجريمة من بعيد. انه بجانب مبنى ستاركو، حيث سيطر الرعب والخوف على وجوه المواطنين، دقات القلب سريعة، الجميع يلهث. "لا تقرّب.. ممكن يكون في انفجار ثاني"، يقول أحدهم، في اشارة إلى ما حصل في تفجيري السفارة الايرانية واغتيال اللواء وسام الحسن. زجاج المباني المحيطة بالتفجير محطمة ومبعثرة أرضاً. سيارات الاسعاف والدفاع المباني وصلت سريعاً لانتشال الجرحى واخماد الحرائق.


من مفترق آخر، وصلنا مسرح الجريمة... الدنيا "سوداء" أشبه بجهنم الحياة. الجميع مشتت، الأجهزة الأمنية تتصارع على المعلومات ومسك زمام الأمور. الخطوات محسوبة جيداً "حتى لا تدعس" على أشلاء أحدهم. هنا رائحة الموت والفحم. سيارات لم يتبقَ منها سوى "الشاسي" وقطعها منتشرة في ارجاء الشارع، حتى بعضها وصل إلى اسطح المباني. يمرّ أحدهم يهمس لزميله في قوى الأمن: "انه الوزير شطح"، تأكدوا من ذلك من خلال "دفتر السيارة". تجمعوا حول جثة محترقة انها للوزير الشهيد، وتم نقلها إلى المستسفى الحكومي ليعاد نقلها إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت.
الطرق فارغة مسمومة. الناس "حبست أنفاسها" أمام مدخل الطوارئ في مسشتفى "الجامعة". المشهد لا يختلف كثيراً عما شهدته باقي المستشفيات في التفجيرات السابقة. الإعلام نصب كاميراته وانتظر معلومة صغيرة لينقلها إلى الرأي العام. لا مسؤولين ولا معلومات ولا اسماء، الجامعة الأميركية ضبطت الأمور بشكل صارم. "نعتذر منكم تستطيعون الحصول على الاسماء من وزارة الصحة". التعتيم سيد الموقف. خطفنا نظرنا على بعض الأوراق، انهم أكثر من 25 جريحاً. ماذا عن القتلى؟: "غير معروفين حتى اللحظة!". عائلات تحضر وتسأل عن اسماء أولادها، اخرون ينتظرون معلومة تهدىء من نفوسهم.
الحراس صارمون في عدم ادخال أحد، الاعلام عاتب على عدم نقل صورة الفاجعة إلى الرأي العام. ولم يبق للمراسلين سوى قصص وحكايات من أهالي الضحايا. اغلب الجرحى صودف أن عملهم في مكان الانفجار أو كانوا يمرون صدفة.
وسط زحمة الأهالي ولد يمشي بخطى متوترة، انه حسين خزعل (13 سنة)، والده حسن سائق اجرة اصيب بالتفجير. ما حاله؟، يجيب بعينين حاقدتين ولسان مرتبك: "اصيب والدي في رأسه وكسرت يده.. الله لا يوفقه إلي عمله هالشي، وانشا الله بيطلع فيه شي انفجار"، شو بتتمنى؟ يتابع: "ما بدي يصير انفجارات".
بطريقة خاطفة، وصلت سيارة اسعاف الى المستشفى برفقة موكب. "انه هو"، تم ادخال جثته من باب خلفي، وبعد ساعة وصلت عائلته، هي 20 دقيقة خرجت بعدها موهولة بالمشهد. مرافقو العائلة منعوا الاعلاميين الراغبيين في استصراح احد افراد العائلة. انها لحظة تحتم احترام الخصوصية.


"الله يقطع ايدي الغدر"


اتفقت فاطمة على ان تلتقي صديقتها في مستشفى الجامعة لتكون معها أثناء زيارتها الطبيب، وذهبت هي أولاً لتوصل اولادها الى المدرسة التي كانت تنظم رحلة للطلاب، اما صديقتها فكانت تتجه نحو الروشة لعمل ما.. ويا ليته لم يكن! الانفجار أوصل صديقتها قبلها إلى الجامعة الأميركية لكنها لن تلتقيها بل حضرت لتودعها. تتحدث والدموع تغرق عيونها: "عم بيقولولي توفت.. الله يقطع ايدي الغدر والفتنة من البلد.. يا الله لو كنت معها كنت انتهيت".
الوزير السابق الدكتور محمد جواد خليفة، اخذ القرار بكسر الصمت السائد امام المستشفى والادلاء ببعض المعلومات، وبعد ادانته التفجير واستذكار زميله الوزير شطح الذي كان معه في حكومة الرئيس سعد الحريري، قال: "هناك 33 جريحاً و3 شهداء وغير ذلك"، ولدى سؤالنا أحد الامنيين عن عدد الشهداء قال "هناك 4 جثث ورأس!"، المؤكدة منها، للوزير شطح ولمحمد ناصر منصور، كيفورك تاكاجيان، صدام الخنشوري (سوري الجنسية) ولشخص مجهول الهوية.


"ليس هنا"


من بعيد تهرول والدة مرافق شطح طارق بدر، وصلت إلى بوابة الطوارىء "ليس هنا" يقول لها الحارس، لتعود مسرعة والدموع تسبقها كي تكمل رحلة البحث عنه. الناس حولها يرددون، "بات شهيداً، لا جثة له .. انه اشلاء"!.
على أحد المقاعد في باحة المستشفى، تجلس الحاجة اميرة تبكي فيما جسدها يرتجف، وتقول لـ"النهار": "شقيقتي منى ضاهر (43 سنة) من الجرحى". التوتر أرهق الحاجة الستينية، هي تنتظر اي معلومات جديدة "دخلتُ وشاهدتها لكنها لم تتحدث معي، كان رأسها مغطياً بالدماء والرضوض بدت على جسدها. كانت تتحرك.. وهي كانت تمر صدفة من منطقة التفجير". حولها كان عدد من الاشخاص يهمسون عن ان منى كانت في احدى سيارات التاكسي التي مرت خلال الانفجار، والتي شوهدت محترقة بشكل كامل في موقع الانفجار. تقول أميرة وهي تتنفس بصعوبة وتمسح دموعها: "الله لا يوفقه انشا الله، خربوا البلد".
ميساء ابنة هيفاء مجبور (50 سنة) تطمئن الجميع بأن والدتها في صحة جيدة واقتصرت اصابتها بضيق في التنفس ورضوض وجروح بسيطة بفعل تحطم زجاج مكتبها في وزارة التنمية الادارية في ستاركو، وهو الزجاج نفسه الذي تحطم في تفجير 14 شباط 2005. هذه المرة كتبت لها النجاة.
في مستشفى نجار، لا جرحى . باحة مستشفى كليمنصو هادئة، ادارة المستشفى افادت "النهار"
عن وصول جثة مرافق الوزير شطح، طارق بدر، والتي تم التعرف اليها بعد وصول والدته الى المستشفى. كما عالجت المستشفى 11 جريحاً، عادوا إلى منازلهم باستثناء واحد يخضع لعملية جراحية بسيطة.
مصادر وزارة الصحة قالت لـ"النهار" ان حصيلة القتلى غير النهائية بلغت 6 قتلى، بينهم 4 مجولو الهوية، اما المصابون فوصل عددهم الى 75 جريحاً.


mohammad.nimer@annahar.com.lb
twitter: @mohamad_nimer