صرخةٌ في وجه سدّ بسري و"حالة الطوارئ" أُعلنت لمواجهته

ندى أيوب

يستمر الجدل حول سد بسري بين مجلس الانماء والاعمار الذي ينفي وجود خطر من جراء بناء السد، وجيولوجيين وجمعيات بيئية واهالي المنطقة الذين يرفضون المشروع ويعتبرونه تهجيرياً. إلا أن دائرة معارضة السدّ تتوسع، فإلى جانب الحركات والخبراء البيئيين أصبحت تضم سياسيين رفعوا سقف خطابهم الرافض للسدّ، أمثال النائب أسامة سعد الحاضر في معظم التحركات، والنواب الياس حنكش، فريد هيكل الخازن، بولا يعقوبيان وجميل السيد. وفي حين ألمح رئيس "الحركة البيئية" بول أبي راشد، في حديث لـ"النهار"، عن مبادرة قد يقوم بها نائب جزين إبرهيم عازار لدراسة الوقائع العلمية السلبية للسدّ، التحرّك على الأرض لن يتوقف، فـ"حالة الطوارئ في قرى قضائَي جزين والشوف ومدينة صيدا قد أُعلِنَت لمواجهة "وحش" السدّ من خلال اعتصامات أسبوعية". وبعد اختبارات قاسية مع السلطة السياسية في ملفات بيئية خطيرة كسدّ جنة وأزمة النفايات، وما نتج عنهما من قرارات لا تتوافق البته مع التقارير العلمية، أدرك الناشطون أن الحوار مع الدولة لا يعوَّل عليه وحده. فما هي آخر مستجدات المواجهة والخطط البديلة؟

يتحدّث أبي راشد عن "غليان" في نفوس الأهالي بانتظار مواقفَ معارِضة من نوّاب جزين وإلا "ستحلّ النقمة عليهم". وبالفعل، فالأصوات الرافضة عادت لتصدح في اعتصامات تنقّلت في المناطق بين قرى قضائَي الشوف وجزين، ومدينة صيدا، وبيروت، كان أبرزها أمام مقرّ البنك الدولي كونه الجهة المموِّلة للمشروع. الصدى تلقّفه عدد من النواب والفعاليات، ويعتبر أبي راشد مواقفهم كإشارات إيجابية، ويتحدّث عن الخطوات التي يتمّ تحضيرها: "خلال مناقشة البيان الوزاري، تناول النواب الثلاثة بولا يعقوبيان، الياس حنكش وأسامة سعد مشروع السد في كلماتهم. من جانبه، النائب جميل السيّد غرّد على التويتر منتقداً المشروع، كذلك فعل النائب فريد هيكل الخازن مغرداً "سدّ بسري يعرّض جنوب لبنان لزلازل تدميرية هذا ما تؤكده تقارير بيئية وجيولوجية علمية وموضوعية، إنّ المخاطرة بأرواح الناس لتمرير صفقات مالية بالملايين هو الزلزال بحدّ ذاته". أما قائد الدرك السابق العميد صلاح جبران عبّر عن رفضه من خلال مشاركته في أحد الاعتصامات. من جانبنا تقدّمنا من الكتل السياسية كافة بطلب تحديد مواعيد، وننتظر الرد في المقبل من الأيام للاجتماع بها وتقديم ما في حوزتنا من تقارير ودراسات علمية أنجزها أكثر من عشرة خبراء في مجالات متعددة، كالجيولوجيا والزلازل، والاقتصاد، والقانون، والتنوع البيولوجي، والتنظيم المدني، بشكل تطوعي. بالتزامن طلبنا من وزير البيئة فادي جريصاتي تنظيم طاولة مستديرة تجمعنا مع وزيرة الطاقة ندى البستاني وبحضوره طبعاً لمناقشة مخاوفنا والأدلة التي نمتلكها".

وبانتظار اتضاح الصورة حول ما يحكى عن مبادرة للنائب عازار، يلفت أبي راشد إلى أن المعترضين على المشروع في "الحركة البيئية " و"الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري"، قدّموا كتاباً إلى وزير الثقافة محمد داود إعلان #بسري محمية أثرية للثقافة، كونها تضم "نحو 50 موقعاً أثرياً، وبما أن الدولة استملكت الأراضي هناك". كما تقدّموا بطلب مماثل من وزير الزراعة حسن اللقيس باعتبارها محمية زراعية"، وفي السياق عينه ومن بين خطوات الدفاع عن المرج ورفع الصوت، يشير أبي راشد إلى عدد من اللقاءات عقدها رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب نزيه نجا، "وطالبنا اللجنة بالتحرّك وتنظيم لقاء مع الخبراء الرافضين للسد".

أما على الصعيد الدولي، فتواصلُ الخبراء والناشطين المعترضين على السدّ لم ينتهِ مع البنك الدولي. صحيح أن "الناشطين اتخذوا قراراً بوقف الحوار مع البنك ونقل التحركات إلى الأرض، بعد أن رفضت لجنة التفتيش المستقلة ضمن البنك فتح تحقيقٍ حول جدوى السد، بناء لشكوى تقدّمنا بها، إلاّ أن حضور ممثلة المدير الإقليمي للبنك لتسلّم عريضة وقّعها 22 ألف مواطن من كافة المناطق اللبنانية تدعو لإيقاف السدّ ودعوتها وفداً من المعتصمين إلى اجتماع مع فريق البنك الدولي لمناقشة هواجسهم سيفتح، بحسب أبي راشد، "باب النقاش مجدداً ضمن "الحركة البيئية" و"الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري" حول إمكانية عودة التواصل مع البنك لكن ليس للتفاوض".

ردّ فعل المعتصمين القادمين من مختلف المناطق يومها، وإلى جانبهم نقابيون وخبراء، إن دلّ على شيء فعلى غضب عارم عبرّوا عنه في رفضهم لكلام ممثلة البنك. هم اتخذوا قرارهم في مواجة السدّ، ولا تراجع.

بعض المعطيات

بمجرد الحديث عن السدود في لبنان، يعاد الى الاذهان سريعا عدد من السدود التي لم تستوف الشروط، من سد جنة الى سد عين دارة (الذي بقي مشروعا همايونيا) الى سد القيسماني وغيرها الكثير. من المقرر بناء هذا السدّ في منطقة وادي بسري، على مسافة 30 كيلومتراً جنوب العاصمة، ويُتوقع أن يؤمن المشروع مياه الشفة لـ1,6 مليون نسمة في منطقة بيروت الكبرى. وبحسب التقارير والدراسات العلمية الرافضة "يشكل سد بسري الكارثي جزءاً من مشروع جرّ مياه الأوّلي والليطاني الى بيروت الكبرى بقرض من البنك الدولي. وسوف يتم لهذه الغاية تجميع مياه القرعون وبسري في جون وجرّها مسافة 70 كيلومتراً الى بيروت بتكلفة باهظة تفوق المليار و200 مليون دولار، علماً أن مياه القرعون لا تصلح للشرب حتى بعد التكرير. وفي سبيل بناء السد المزعوم، سوف يتم تدمير 6 ملايين متر مربع من المناطق الطبيعية الغنية بتنوّعها البيولوجي في الشوف وجزين، ما يعتبر مجزرة بيئية هائلة. ويخالف المشروع الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية الصادرة عام 2009 التي اعتبرت مرج بسري من أهم المواقع الطبيعية التي يجب حمايتها في لبنان وسوف يقضي السد أيضاً على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وعلى أكثر من 50 موقع أثري، وسوف ينخفض مستوى التدفّق الطبيعي لنهر الأولي الذي يروي الزراعة في محيط مدينة صيدا. ويخالف المشروع توصيات دراسة التقويم البيئي الاستراتيجي للخطة الوطنية لقطاع المياه (2015) التي أكدت ضرورة التراجع عن برامج السدود نظراً لإلى خطورته وعدم فاعليته. بالاضافة الى ذلك، حذر الخبراء الجيولوجيون من خطورة سد بسري لوقوعه على فالق زلزالي ناشط، ما قد يساهم بافتعال زلازل مدمرة كالزلزال الذي ضرب لبنان عام 1956. وأوصى تقرير المجلس الوطني للبحوث العلمية عام 2015 بعدم بناء السدود في أودية جبل لبنان بسبب الخطر الزلزالي من جهة، وحتمية تسرب المياه عبر طبقات الارض المتشققة من جهة أخرى".

والى جانب الشق البيئي، ثمة جانب اجتماعي عبر استملاك أراضي الأهالي، وحرمانهم بالتالي من استعمال أرضهم لأغراض البناء والسياحة والزراعة، كما لو ان ثمة نية في عملية تهجير او نزوح تهدد لقمة عيشهم. ناهيك عن وجود السد على فالق زلزالي ناشط سيهدّد أمان السكان.

وتبلغ كلفة المشروع 617 مليون دولار بينها 474 مليوناً من البنك الدولي. ويحتاج تنفيذه كاملاً الى تسع سنين.

وأُقرّ قرض تمويل هذا المشروع عام 2014 وأُضيف إلى منح وقروض تبلغ قيمتها أربعة مليارات دولار تعهد البنك الدولي تقديمها للبنان في نيسان 2018 على هامش مؤتمر "سيدر".

العين تعود مجددا الى تحركات المعارضين، وخارطة مواقف نواب جزين بانتظار اتضاحها.