مكافحة الفساد أمام امتحانات حاسمة

تتخذ عاصفة مكافحة الفساد التي أطلقت بقوة في الاسابيع الاخيرة بعدا شديد الغموض وسط تعذر اتضاح الاتجاهات العملية التي ستسلكها هذه العملية ما دام اي ملف مالي او اداري لم يشق طريقه الطبيعي بعد ضمن المسالك القضائية التي تعتبر الممر الحاسم النهائي لنجاح او اخفاق هذه العملية . وتقول اوساط معنية بمتابعة المسائل والملفات المتعلقة بالفساد بان الاسابيع القليلة المقبلة ستتسم باهمية حاسمة ليس بالنسبة الى بلورة الملفات الجدية التي ستصبح في عهدة النيابات العامة القضائية والمالية فحسب بل ايضا بالنسبة الى بلورة استراتجية موحدة للحكم والحكومة والقوى المنخرطة فيهما لجهة وضع ثوابت تكفل استمرار عملية مكافحة الفساد بعيدا عن اي لفلفة او تراجع من جهة واحداث ضمانات حاسمة تمنع اقتحام التسييس هذه العملية الى حدود تهديدها بالتوقف او الانفراط تحت وطأة اثارة عوامل مذهبية وطائفية وسياسية مختلفة كما حصل في الاسبوعين الاخيرين . وتلفت هذه الاوساط الى انه من غير الممكن تجاوز التداعيات السلبية التي تسبب بها فريق معروف حين انحرف منذ بداية تعامله مع مسالة مكافحة الفساد الى كشف نياته الواضحة في الاقتصاص من احد خصومه فاذا به بدل تحفيز الرأي العام على تلقف موقفه ايجابا من مكافحة الفساد يثير عاصفة انقسامات جديدة اتخذت في بعض جوانبها دلالات مذهبية وهو الامر الذي رسم علامات شكوك مبكرة في الكثير مما يقال حول عملية مكافحة الفساد . وفي اي حال لا تتوقف الاوساط نفسها عند ما جرى من سجالات في الاسبوعين الاخيرين بل تذهب الى التساؤل عما سيكون عليه المشهد في الاسابيع المقبلة بما يعنيه من اختبار مهم لجدية الاتجاهات الرسمية في اعادة لاعتبار الكاملة لعملية مكافحة الفساد بما يحميها فعلا ويمنع تسخيفها وتراجعها تحت اي اعتبار لان اي تهاون في هذه العملية او جنوحها الى تصفيات حسابات سياسية عقيمة سيعرض لبنان لاكلاف سلبية اضافية وسط العين الدولية المفتوحة على حكومته لتنفيذ التزاماتها في الإصلاحات المتنوعة وفي مقدمها مكافحة الفساد . ومن المرتقب ان يشكل التعامل الحكومي والنيابي سواء بسواء مع ملف الحسابات المالية التي أنجزتها وزارة المال اختبارا بارزا سواء لجهة المناقشات الحكومية والنيابية لهذه الملفات المتعلقة بالمالية العامة منذ التسعينات او لجهة ترك ديوان المحاسبة والاجهزة الرقابية والقضائية تتعامل مع الملفات الهائلة التي أحيلت عليها من دون اي تدخلات سياسية . كما ان ثمة ملفات وتحقيقات وانكشافات أخرى برزت في الايام الاخيرة ستكون بدورها عرضة لاختبارات السلطة والقوى السياسية في هذا المعترك ومنها مثلا ملف شبكات الرشى التي تكشفها شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي والتي يتسع عدد الموقوفين فيها تباعا .

واذا كانت ملفات الفساد أصبحت تتقدم كل المواضيع المثارة والاولويات واليوميات اللبنانية فان ذلك لا يقلل تقدم ملف النازحين واللاجئين السوريين في لبنان خصوصا بعد الزيارة التي قام بها المفوض السامي للأمم المتحدة للاجئين فيليبو غراندي لسوريا ولبنان في الايام الاخيرة والتي لم تحمل معطيات ايجابية كافية حيال مسألة عودة اللاجئين ولكن غراندي عبر عن تحسس اممي واسع للعبء الملقى على لبنان وتعمد الافصاح عن ضرورة دعم المجمتع الدولي اكثر للبنان في تحمله هذا العبء . ويكتسب موقف غراندي اهمية لكونه جاء بمثابة تصحيح لعلاقة ملتبسة بين لبنان والمفوضية الاممية للاجئين كما انه يأتي عشية مؤتمر بروكسيل -3 الدولي المخصص للبحث في ملف اللاجئين والذي سيعقد في 13و14 آذار الحالي .ويستعد لبنان للمشاركة في هذا المؤتمر بوفد يرأسه رئيس الحكومة سعد الحريري ويضم وزيري الشؤون الاجتماعية والتربية وعدد من الخبراء علما ان تساؤلات اثيرت في الساعات الاخيرة حول مضمون الاستراتيجية الموحدة التي سيبلغها الوفد اللبناني الى مؤتمر بركسيل الثالث على خلفية عدم وجود توافق داخل الحكومة على استراتيجية موحدة بما يرجح ذهاب الوفد من دون النية لطرح خطة جديدة غير تلك التي طرحها العام الماضي على مؤتمر بروكسيل -2 والاكتفاء بالمطالب اللبنانية والأممية الداعمة لها في سياق مساعدة لبنان على تحمل اعباء اللجؤ ومن ثم الدفع نحو تشجيع الجهود الآيلة الى تزخيم خطوات الاعادة الآمنة للاجئين الى المناطق السورية التي توقفت فيها المواجهات القتالية .