البطالة

مروى صباح

تدور في لبنان، اليوم، أصداء أزمة معيشية كبيرة، فشبح البطالة بات يترقّب الجيل الجديد فرداً فرداً، ويدفع بهم لترك أرضٍ احتضنتهم لسنين طويلة، أرض شاسعة بحجمها، صغيرة بفرصها.

يحارب جيل اليوم الظروف الاجتماعية القاهرة المترافقة برشّةِ ظروف سياسية، أو بالمعنى الأدقّ، ظروف تابعة للوساطة التي باتت تسري في كل الوظائف والمؤسسسات.

فلماذا يتخلى الأبناء عن أرض الآباء؟ وما هو دور السياسة في جعل لعبة الهجرة تخسر رهانها؟

يعاني المواطن اللبناني بعد انتهائه من دراسته الجامعية من عدم إيجاد فرصة عمل تتناسب مع اختصاصه، أو حتى أنه لا يتمكّن من إيجاد فرصة واحدة تخفّف عنه أعباءه. وبناءً على ذلك، يعلّق شهادته على جدارٍ أبيض يحمل صفةً قاتمة، لتكون تذكاراً في بلدٍ يحرم مواطنيه من أدنى حقوقهم. لم تعد هذه المشكلة مشكلة جماعةٍ معينة بل امتدت لتصبح حديث البلد بأكمله، فأينما ذهبت سترى آلام الناس ومآسيهم وشكواهم المفرطة من أعمال هذه الدولة التي تفضّل مصالحها الخاصة على المصالح العامة، فكلٌ يسعى لتحقيق نسبة كبيرة من الأرباح دون أن ينظر إلى حالة المواطن المأسوية.

ثمّ يأتي دور الوساطة، فسياسيو لبنان أو جلاّدوه يسعون لأقاربهم أو معارفهم للحصول على الوظائف، متناسين شعباً أرهقته مصاعب الحياة، ونزف عرقه في سبيل لقمة العيش دون بصيص أمل في تحقيق الطمأنينة والراحة.

بعد كل هذه الأزمات المتتالية بات اللبناني يشعر بعدم الانتماء إلى أرضه، فيسعى لأن يهرب إلى دولةٍ أخرى تحترم مواطنيها والمهاجرين إليها، فيحصل بذلك على هوية ثانية تنسيه الأولى بفضل الخدمات التي تقدّمها له. فالدول الغربية تقدّم المئات من التسهيلات لاستقطاب الأدمغة واليد العاملة الفتية. إنّ كل هذه التسهيلات تحفّز الانسان ليتخلى عن كل ما يملكه في وطنه ويعمل لبناء حياة جديدة بعيدة عن كل ما كان يعانيه في وطنه الأمّ.

بعد كل ذلك، يجب أن نتطرق إلى دور السياسة اللبنانية في الحدّ من هذه الظاهرة، وعليه، فإن على الدولة الكريمة أن تؤمّن العدد الأكبر من الوظائف لتجذب الشعب للبقاء في لبنان وعدم الإنجراف وراء تيار الرحيل. كما عليها أن تخفّف من المحسوبيات والوساطة؛ أقول في هذا المجال أن "تخفّف" لأنها من المستحيل أن تعمل على اقتلاعها نهائياً وبخاصة أننا في بلدٍ ديمقراطي بالإسم والصورة فقط، بيد أنه يخبّئ في طياته كل أشكال الديكتاتورية والسلطة الجبرية.

أخيراً، أقول إن الشعب أعلن يأسه من هكذا وطن، ورفع علم الاستسلام لأنه لم يجد ما يدفعه للبقاء في وطنه، ولم يقدّم له هذا المكان أي تسهيل أو سبب ليسعى ويبذل أقصى جهوده ليثبّت قدمه هنا حيث ولد وترعرع. فيا أيها السياسيون رفقاً بشعبٍ مرهق استنزفتم بجشعكم كل طاقاته. شعب لم يعرف للأزمات نهاية. فأنتم قد أغرقتم أنفسكم في مستنقعات الفساد وجررتم وراءكم أمةً بكاملها.

فإلى متى سيبقى هذا الفساد يجري في دماء وطننا ليمنع مواطنيه من البقاء بين أحضانه؟ وكم من الممكن أن تدمّر البطالة من أسبابٍ تحفِّزنا للبقاء في بلد الأرز؟!