لإقفال طريق ضهر البيدر فوراً

حكاية ابريق الزيت هي نفسها، تسلّمها الأجيال بعضها إلى البعض الآخر، تُرفق بوعود حيناً وبأحلام حيناً آخر، لتصبح بعد عشرات السنين نكتة، نكته سمجة ممزوجة بعذابات، نعم ولا مبالغة بكلمة عذابات، ومصيدة أرواح وسيارات وحرق أعصاب.

إنها طريق ضهر البيدر الشهيرة، أو طريق بيروت - الشام بحسب التسمية الرسمية، ولكن رغم الصعود والهبوط السياسي على هذا الخط تحديداً، لم يشهد الطريق بين البلدين سوى الهبوط، ثلاثين عاماً من الأوتوسترادات السياسية الواسعة والكبيرة بين بيروت ودمشق قابلتها انهيارات وخسفات وحفر وإقفالات للطريق البري شبه الوحيد والرسمي بين المدينتين. أقفلت الطريق السياسية ثم عادت وفتحت والانحدار على هذا الطريق لا يزال مستمراً.

أن تكون ابن البقاع بأجزائه الثلاثة، لا يمكن الاّ أن يكون لديك قصص كثيرة تكتب فيها معلقات عن هذا الطريق المعجزة، وبالطبع غالبيتها مأسوية. لا بد أن تكون فقدت قريباً أو ابن بلدة أو معرفة بحادث سير على هذا الطريق. من المستحيل أن تمرّ عليك سنة كاملة من دون ذكريات عن ساعات وساعات في زحمة سير، عن نجاة بأعجوبة إلهية من حادث، عن مخالفات الشاحنات، عن قطع الطريق عند أول قطرة مياه تتحول إلى ثلوج في أعالي الطريق، عن الانزلاقات، عن البنية التحتية المترهّلة، عن منعطفات عاريّا الضيقة، عن طلعة الكحالة الملاصقة للكنيسة التي تعج بالمناسبات الاجتماعية والدينية. فمثلاً عليك مواساة أهل أي فقيد في البلدة والشعور بالأسى في سيارتك لأكثر من ساعة أو ساعتين إلى حين إتمام الجنازة والخروج من الكنيسة. عن فتحة عاليه غير المنطقية. عن فاصل صوفر. عن خسفة جسر المديرج التي لا حلّ لها، فهي تعود كل عام كالقدر رغم المليارات التي صارت مدفوعة عليها، عن حفر أو خنادق أعالي الطريق التي تلزّم كل عام وتدفع عليها الملايين وتعود بعد أسابيع قليلة، ولا ندري ما إذا تم تزفيتها أو طلاؤها باللون الأسود. عن الإنارة وبطولات السياسيين في افتتاحها، إن كان عبر الطاقة الشمسية المضحكة التي لم تصمد ربما للشهر التالي، أو عبر المولدات الخاصة وما رافقها من استعراضات سياسية انتهت بجلاء مواكبهم عن الطريق.

كلام ومشاريع ودراسات وتلزيمات لم تأتِ بخطوة واحدة إلى الأمام. فقد أخبر أجدادنا عن أيام الزمن الجميل والقطار الذي كان يربط البقاع ببيروت. إنه هناك مشروع طريق للسيارات الخاصة تموّله الدول العربية لربط المنطقتين يسمى بالأوتوستراد العربي. ونقل أهلنا البشرى لنا، وغداً سننقلها إلى أولادنا لينقلوها إلى أحفادهم عن أوتوستراد مزعوم يصلك بقريتك بأقل من عشرين دقيقة.

والأسوأ من هذا كله، صدّقوا كذبهم وألغوا القطار ولم يُنشأ الطريق، ودائماً الحجج قائمة، والتبريرات جاهزة، مرة مشكلة في الاستملاكات وأخرى في رفض بعض القرى مرور الاوتوستراد. مرة بالبيئة وأخرى بالجغرافيا. مرة بالخلاف مع المتعهد وأخرى بعدم توفر الإمكانيات. والمرة الأخيرة والأكثر سخرية، هي اكتشاف عبقري خارق بعد دفع المليارات وشق الطريق فوق بوارج إلى حاجز ضهر البيدر هو أن الأرض متحركة والجبل يزحل ويحتاج إلى تدعيم، وبالتالي إلى موازنة أكثر وسرقة أكبر. بربكم هل من عاقل يقوم بمشروع بهذه الضخامة من دون دراسة جيولوجية للأرض؟ نعم هذا يحدث عندنا.

حتى المشاريع المقدمة من بعض النواب والشخصيات السياسية البقاعية، أضحت مضحكة. كيف لنا أن نصدق إمكانية قيام نفق من شتورة إلى بيروت ولم تستطيعوا إنجاز نصف طريق عادي خلال 30 سنة؟ وكيف لنا أن نحلم بقطار أيضاً بعد أن ألغيتم الموجود وتعديتم على مساره وسككه وفككتموها ولم يسأل أحد؟ حتى ولو صدقنا، سيتم تنفيذها بطريقة خاطئة كنفق بحمدون الذي استغرق العمل به سنوات وما رافقه من تحويلات وعذابات للناس لينتهي بطريقة مشوّهة يحصر 4 خطوط سير في خط واحد تحت النفق.

في الأمس ظهر انهيار جديد على الطريق، وبالتالي سنتحضّر لجلجلة عذابات جديدة من القطع والتحويل والزحمة، مترافقة مع مطالبات ومناشدات وحجج وتبريرات، ولكن أيضاً هذه المرة لن نعتمد طريقة التحقيق الصحافي، ونسأل ونتلقى إجابات معلوكة ممجوجة كما دائماً، إنما الأفضل المطالبة باتخاذ تدبير سريع، وربما ناجع، يقضي بإقفال هذا الطريق فوراً والإقرار بفصل محافظة البقاع عن لبنان وإعلانها دولة مستقلة. وبهذا يكون الحل الأمثل لمشكلة تاريخية مستمرة منذ عشرات السنين.