تعرّفوا إلى قصة أصعب عملية إنقاذ في العالم!

جاد محيدلي

عند الحديث عن أنتاركتيكا أول ما يخطر في بالنا هو البرد القارس والظلام والحياة المعدومة، لكن هل فكرتم يوماً ماذا قد يحصل إن تعرض شخص ما في تلك المنطقة الى الخطر واحتاج إلى عملية إنقاذ؟ بالتأكيد ستكون هذه المهمة من الأصعب في العالم. وهذا ما حصل في نهاية عام 2015 مع مالكوم روبرتس، المهندس في هيئة المسح البريطانية بالقارة القطبية الجنوبية، والذي أصيب بنزيف حاد في القناة الهضمية في محطة أبحاث "هيلي"، التي تبعد آلاف الأميال عن أقرب مستشفى. لكن رحلة المنقذين إلى تلك القاعدة تستغرق 24 ساعة، وينبغي التوقف في قاعدة "روثيرا" في أنتاركتيكا لتزويد الطائرة بالوقود. وفي رحلة العودة، التي تستغرق نفس الوقت، سيكون عليهم أيضاً رعاية مريض في حالة حرجة، وهذا يعني أنهم سيقضون 48 ساعة بلا نوم، بالإضافة الى أنه سيزداد الخطر كثيراً على المريض، خاصة في حالة روبرتس الذي فقد كمية كبيرة من الدم، وكانت نجاته مرهونة بوصول الفريق قبل فوات الأوان.

رغم كل الصعوبات، تبرع ناتبيم، استشاري الطوارئ في بريطانيا، بخوض عملية الإنقاذ والسفر برفقة طيار ومهندس لإنقاذ حياة الشاب. لم يكن في البداية ينوي التوجه إلى أنتاركتيكا. وعندما وقعت الحادثة، كان قد استقل طائرة متوجها إلى بلدة بونتا أريناس في أقصى جنوب تشيلي، حيث كان يفترض به أن يستقر بعد وصول الطائرة. لكن الخطة تغيرت عندما ثار بركان كالبوكو، إلى الشمال من المنطقة الموجود فيها، وألغيت جميع الرحلات إلى تشيلي. وظل الطبيب عالقا في مطار سانتييغو. وفي الوقت نفسه تحسّن الطقس، وهو نادرا ما يتحسن، في ممر دريك المائي الذي يربط بين جنوب تشيلي وأنتاركتيكا. ويقول ناتبيم "أدركت فجأة أنني سأتوجه إلى أنتاركتيكا. وكنت أعتبرها فرصة سانحة". وكان يتعين عليه أن يظل متيقظاً طيلة الرحلة للتعامل مع الصعوبات التي واجهته. إذ كان عليه مراقبة درجة حرارة أكياس حفظ الدم التي وضعها في مؤخرة الطائرة، حيث كانت درجة الحرارة 10 تحت الصفر. ووصل الفريق إلى قاعدة "هيلي" بعد بزوغ الفجر مباشرة، ولم يكن أمامهم إلا ساعة ونصف لإنقاذ روبرتس قبل حلول الظلام. وكانت درجة الحرارة 30 تحت الصفر. واستقل ناتبيم حافلة الجليد إلى المحطة وأجرى ما يُعتقد أنه أول عملية نقل دم في أنتاركتيكا، ونقل روبرتس إلى الطائرة. ويقول ناتبيم إن كل هذا لم يكن مخططاً له من البداية بسبب تقلبات الطقس في أنتاركتيكا.

لكن وفي طريق العودة، لم يتمكن ناتبيم من شدة التعب والإرهاق من استحضار المعلومات الطبية واتخاذ القرارات الصائبة، والمشكلة أن حالة روبرتس كانت تستدعي المراقبة المتواصلة. وكانت تتطلب اتخاذ قرارات طبية حاسمة. إذ كان تحليق الطائرة على ارتفاع عال لتجاوز الجبال، على سبيل المثال، يمثل خطورة على روبرتس بسبب نقص مستوى الدم في جسمه، وكان الأمر يتطلب قراراً طبياً وهو ما عجز ناتبيم عن اتخاذه. وقد واجه ناتبيم هذه المشكلة عندما أصيب روبرتس بأعراض السكتة الدماغية في أثناء الرحلة، وكان يجب أن يُنقل له المزيد من الدم ومنحه سوائل وأدوية لتستقر حالته. ويقول ناتبيم "أتذكر أنني في هذا الوقت لم أتمكن من السيطرة على انفعالاتي". 

ناتبيم تحدى النعاس والتعب وتوقف دماغه عن التفكير والتحليل وتذكر المعلومات واستطاع إنقاذ الشاب المريض ومراقبة حالته الصحية بشكل دقيق ومتابعة أخبار الطقس والثلوج، حتى وصل أخيراً الى تشيلي، حيث هبطت الطائرة ونُقل روبرتس إلى المستشفى، حيث تماثل للشفاء. لكن ناتبيم لم يستطع مفارقته. ويقول ناتبيم "أردت أن أرافقه في المستشفى رغم أنني لم أكن أقوى على النطق بجملة واحدة". وقد حصل هذا المنقذ على عدة جوائز وتكريمات إنسانية في هذا المجال بعد هذه الحادثة التي لن ينساها. وقد صنفت هذه العملية على أنها من أصعب عمليات الإنقاذ حول العالم.