الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هندوس وبوذيون ومسلمون ومسيحيون يتعايشون بسلام...الامارات نموذج لبناء الجسور

المصدر: "النهار"
هندوس وبوذيون ومسلمون ومسيحيون يتعايشون بسلام...الامارات نموذج لبناء الجسور
هندوس وبوذيون ومسلمون ومسيحيون يتعايشون بسلام...الامارات نموذج لبناء الجسور
A+ A-

يمثّل الهندوس الجالية الاجنبية الكبرى في الإمارات، ويصل عدد أفرادها إلى 2.6 مليوني نسمة، أو 30% من سكان البلاد، بحسب السفارة الهندية. وكانت الحكومة الإماراتية خصصت أرضاً مساحتها 20 ألف متر مربع لبناء أكبر معبد لهم في منطقة الوثبة في أبو ظبي. وهو يستقبل الزوار منذ 2017 ، وأضيف الى معبدين هندوسيين وآخر للسيخ في دبي.

ليس الهندوس وحدهم من بات لهم بيت للعبادة في الامارات. فهناك أيضاً أتباع ديانات أخرى هي السيخ والبوذية والبهائية واليهودية، والمشيخية، والمعمدانية، والكاثوليك والأنغليكان، والأسقفية، وغيرها، يمثلون نحو 80 في المئة من سكان الامارات. الغالبية من هؤلاء هم من اليد العاملة الأجنبية، وخصوصاً الوافدين الآتين من كل دول العالم، بما فيها لبنان وسوريا والعراق. وقد بدأ هؤلاء الوصول الى الامارات في ستينيات القرن الماضي، قبل تأسيس الاتحاد، وزاد عددهم لاحقاً مع بداية النمو الاقتصادي والعقاري.وهم يعيشون معاً منذ عقود، يعملون جنباً الى جنب، ويمارسون شعائرهم الدينية المختلفة بحرية في بلد مسلم، فيضفون على غناه الاقتصادي تنوعاً ثقافياً واجتماعياً.

وكان الثالث من شباط يوماً تاريخياً بكل المعايير في الامارات. ففيه صار البابا فرنسيس الأول أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية تطأ قدماه أرض الجزيرة العربية، مهد الاسلام، في زيارة تاريخية تجلت فيها مظاهر جديدة لسياسة التسامح. ففي القداس الذي أقامه في مدينة الشيخ زايد الرياضية صدحت أناشيد "هللويا"، وأمكنت رؤية الصليب الكبير الذي علا المذبح وتمثال خشبي كبير للسيدة العذراء، من مسافات بعيدة. وشكّل دخول الحبر الاعظم مسجد الشيخ زايد الكبير مع شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، لحظة فارقة في مسيرة التعايش في هذه الدولة.




ورسم الحبر الاعظم وشيخ الازهر في وثيقة "الاخوّة الإنسانية" التي وقّعاها "خريطة طريق" التعايش لا في الامارات فحسب، وإنما في المنطقة كلها، مؤكدين أن الدين الذي كان سبباً لحروب دموية يمكن أن يكون أيضاً درباً للعيش معاً.

وضاقت كنيسة مار يوسف الكاثوليكية باللبنانيين، يوم الاحد في الثالث من شباط، عندما رأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي قداساً حضره أكثر من 1500 لبناني من المقيمين في أبو ظبي ودبي، وعدد منهم جاء من لبنان. وتابع كثيرون القداس من باحة الكنيسة حيث أقيمت مزارات للسيدة العذراء.




أمام المزارات وقف فيليبينيون وهنود وعرب من جنسيات مختلفة، في الصف، يصلّون وينتظرون دورهم لإضاءة شمعة. فقرب كنيسة القديس يوسف، هناك الكنيسة الإنجيلية التي يقصدها خصوصاً الفيليبينيون.

وتقول سمية، اللبنانية التي تعمل في شركة للسيارات في أبو ظبي وحضرت قداس البطريريك: "نعيش هنا محترمين. لا ينقصنا إلا العائلة. ديننا محترم وكفاءاتنا أيضاً. لا نترقى بسبب محسوبيات أو انتماء طائفي أو مذهبي. جهدنا هو بطاقة نجاحنا".




وإلى ذلك، تلفت الى الامتيازات التي يتمتع بها مقيمون، ولا سيما لجهة الطبابة. وتقول: "منذ فترة، اكتشفت أنني مصابة بسرطان الثدي، ومذّاك، أتلقى العلاج مجاناً. لو كنت في لبنان، لما استطعت ربما توفير كلفة علاجي".

وقت تعود أحياناً المتاريس الطائفية في لبنان الذي يفترض أنه نموذج للتعايش في المنطقة، بسبب تصريح أو "تغريدة" أو أقل تفاهة أخرى، أثببتت الامارات أن أشخاصاً من ديانات وثقافات مختلفة يمكن أن يعيشوا بسلام في منطقة شهدت موجة من التشدد الهستيري الذي اجتاح دولاً عدة منها، وجرف معه مئات آلاف الضحايا من المسلمين والمسيحيين.

يضم مجمع الكنائس في منطقة المشرف في أبو ظبي كاتدرائية القديس يوسف وكنيسة الأقباط المصريين، وأخرى للروم الأورثوذكس، وثالثة للإنجيليين. هناك حيث لا أجراس ولا صلبان، يمارس المسيحيون شعائرهم الدينية ويحتفلون بأعيادهم بكل حرية. ويؤكد لبنانيون كثر أن القيود على ممارسة الشعائر الدينية تراجعت كثيراً، ونكاد لا نشعر أننا في بلد مسلم".

وسمح حكّام الامارات ببناء الكنيسة الأولى في ستينيات القرن الماضي، وهم تقليدياً أكثر تسامحاً دينياً من دول خليجية مجاورة تحظر ممارسة أي نوع من الشعائر الدينية غير المسلمة.

ومع ذلك، لم تكن سياسة الانفتاح الديني في الامارات بلا عوائق، إذ إن هناك نحو ثماني كنائس ونحو 40 مكاناً مرخصاً للصلاة، وهي لا تتسع لأكثر من 700 رعية مسيحية تضطرهم للتناوب على مساحات محدودة للصلاة.

ويتطلع المسيحيون خصوصاً الى مزيد من التسهيلات لبناء كنائس إضافية لنحو مليون مسيحي يعيشون في الامارات. يوضح القسّ البريطاني في كنيسة القديس سانت أندرو الأنغليكانية في أبوظبي أندرو طومسونان أن "ثمة بكل تأكيد حاجة إليها". و"لكن يجب أن ندرك أن البلاد ليست لنا".




بمعايير الصحافيين الغربيين، ليست الحرية الدينية كاملة في البلاد. وفي لقاءين مع الامين العام لمجلس حكماء المسلمين سلطان الرميثي ووزير التغير المناخي والبيئة ثاني الزيودي، سأل صحافيون خصوصاً عن مسألة التحول الديني أو اعتناق دين آخر، فكان جواب الرميثي أن المسألة شرعية، وأنه ليس صاحب اختصاص في هذا الشأن.

لعل التحول الديني يصير تفصيلاً في منطقة شهدت في العقود الاخيرة أبشع أنواع الاضطهاد الديني، بما فيها القتل والخطف على الهوية إبان الحرب الاهلية في لبنان، مروراً بجرائم "القاعدة" في العراق، وتفجيرات الكنائس في مصر، وصولاً أخيراً الى هستيريا "داعش" الذي خيّر السكان غير المسلمين من "دولة الخلافة" في سوريا والعراق بين الفدية أو اعتناق الاسلام أو الموت، واغتصب أيزديات وسباهن بذريعة أنهن كافرات.

ربما يؤذن مشهد بابا وإمام وحاخام على أرض الامارات ببداية صفحة جديدة من التعايش الديني في المنطقة. ولكن المؤكد أن هذه الصفحة لن تكتب بسهولة، وأنها ستواجه مطبات كبيرة. ففي منطقة شكّل التنوع الديني فيها سبباً لرفع الجدران وبناء الأسوار، لن يكون  تعميم نموذج الامارات في بناء الجسور سهلاً. ولعل الاستنفار الذي أثاره خبر أوردته "النهار" عن عزم الامارات على الاحتفاظ بالكرسي الذي جلس عليه البابا في القداس، في لوفر أبوظبي، يؤكد أن العصبيات الدينية لا تزال سلاحاً فتاكاً في المنطقة، وأن الداعشيين لا يزالون كثراً رغم اندثار الخلافة المزعومة واندحارها.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم