"مغلي" للجميع وألف مبروك للعهد القوي

"مغلي" للجميع احتفاءً بولادة الحكومة. وهي ولادةٌ شرعيةٌ، مئة في المئة، بدون تلقيحٍ منويّ من أحد، معلوم أو غير معلوم، داخلي أو خارجي. هي حكومةٌ شرعيةٌ بأمّها وبأبيها، ومن أبٍ شرعي ومن أمّ شرعية.

وحصرمٌ حامضٌ في عيون الحسّاد.

كان لا بدّ من أن يُحبَل بالحكومة، ومن أن يوضع جنينها طوال هذا الوقت البطيء في حرزٍ حريز، وفي منأى من العيون الفارغة، كي لا تصاب بالعين.

وكان لا بدّ من أن تكون الولادة طبيعيةً، تسعة أشهر لا نقصان فيها، لكي تحيا الحكومة المنتظرة العتيدة حياةً طبيعية، لا كما يحيا الأطفال الذين يولدون بطريقةٍ قيصرية قبل الأوان، أو بعد الأوان، ناقصين أو فائضي الاكتمال.

"مغلي للجميع"، وعلى عينك يا تاجر. وبعد توزيع "المغلي" وتقبُّل التهاني، يبدأ موسم الجدّ والعمل والاجتهاد ومحو الأمية والجهل وتعميم الثقافة وقطع دابر الفساد والمفسدين وتوحيد البندقية وجعلها حصراً في عهدة القوى العسكرية اللبنانية الشرعية، وحدها لا شريك لها. فكيف لا يكون الموسم (أو العهد) موسمَ عزٍّ ونظامة كفٍّ ويد، وقد أُلقي بكلّ الفاسدين والمفسدين خارج جنّة الحكم والحكومة؟!

أنعِم وأكرِم، يا سيدات ويا سادة.

غداً تبدأ اجتماعات العمل، وتُوزَّع الأعباء والمسؤوليات الجسام على ذوي الهمم. ثلاثون عضوا كأنهم عضوٌ واحد متحد، لا همّ عندهم ولديهم، سوى خدمة البلاد والعباد.

الكهرباء ستعمّ أنحاء الجمهورية 24 على 24 وبرمشة عين. البواخر ستتراجع القهقرى إلى ما بعد الحدود الإقليمية، روحةً لا رجعة فيها. ولن تُستخدَم المحارق على مدى الـ10452 كيلومتراً مربعاً. ستوجد حلولٌ سريعةٌ، للمكبات والمطامر، ولن تُشَمّ بعد الآن روائح كريهة ولن نتنفس السرطان، لا في الكرتنينا ولا في الدورة ولا في الجديدة ولا في الكوستا برافا، ولا في المناطق كافة، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال ومن أعالي البقاع إلى فقش الموج في العاصمة والضواحي. البنى التحتية لن تشهد بعد اليوم انفجار قساطل ولا انسداد أنابيب ومجارير. أصحاب الدخل المحدود والفقراء وأبناء الطبقة المستورة سيكونون مطمئنين إلى غدهم وحاضرهم. الدواء سيتأمن. الضمان أيضاً. والأقساط المدرسية, وشجون الشيخوخة. ماذا أيضاً؟! تباً لي، فقد نسيت الثقافة. هل يُعقل أن أنسى الثقافة، التي ستكون حالها مثل حال الثقافة في جمهورية أندره مالرو، لا أقلّ؟!

الإعلام المكتوب. لا بدّ من أن تنتشل هذه الحكومة المولودة وفق الأحكام الشرعية، هذا الإعلام المكتوب والمنكوب من عثراته. حرية الرأي. ماذا عن حرية الرأي والتعبير؟ لن يُحتجز صاحب رأيٍ وموقفٍ بسبب رأيه وموقفه. خذوها مني. القضاء سيكون كامل السيادة على ذاته، وكامل الاستقلال عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. صدِّقوا أو لا تصدِّقوا.

ماذا أيضاً؟! لن يُعيَّن شخصٌ واحدٌ بالواسطة. مسوكرة. ولن تذهب السكرة وتأتي الفكرة، بعد يوم أو يومين أو عشرة، أو شهر أو سنة. بل ستغمرنا السعادة لأننا في هذا الزمن القوي السعيد، وسنكون سكارى من جرّاء تأليف هذه الحكومة الميمونة.

"مغلي" للجميع. والسعادة للجميع. وإن غداً لناظره قريب.

Akl.awit@annahar.com.lb