زحلة والصحافة ودعا إدمون صعب الى مثواه الاخير

دانييل خياط

"وإني أعترف أني من عشاق المدن، وإني أغار على مدينتي من المدن الاخرى. ولا يهمني كثيراً حجم المدن، وطولها وعرضها، لاني مثل "أليس في بلاد العجائب" قادر على ضغطها بحيث تصبح بحجم محفظة أدسها في جيبي أو دبوس أدخله في ذاكرتي، فتقيم معي في حلي وترحالي" هكذا كتب الصحافي الراحل إدمون صعب في مقال له بعنوان "زحلة هل تعود ... متى؟" في العدد الممتاز لجريدة "الروابي" الزحلية" في العام 2010. اليوم أستعادت المدينة التي كان يغار عليها إبنها البار، بعد أن إستراح من ترحاله في هذه الدنيا وإنطلق في رحلته الابدية.

على يسار النعش الذي سجيّ فيه، في كاتدرائية مار مارون في كسارة بزحلة، جلس النائب سليم عون ممثلاً رئيس الجمهورية، النائب قاسم هاشم ممثلاً رئيس مجلس النواب، والنائب عاصم عراجي ممثلاً رئيس الحكومة، وخلفهم الوزير السابق كابي ليون ممثلاً رئيس "التيار الوطني الحر"، منسق حزب "القوات اللبنانية" في زحلة طوني قاصوف ممثلاً رئيس الحزب، نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي، ونائب رئيس مجلس بلدية زحلة – معلقة طوني ابو يونس، فيما ترأس الصلاة لراحة نفس الراحل راعي أبرشية زحلة المارونية المطران جوزف معوض بمشاركة راعي أبرشية الفرزل وزحلة للروم الكاثوليك المطران عصام درويش ولفيف من الكهنة. لم يكن ثمة صورة فوتوغرافية لادمون صعب، على ما جرت العادة. لاستعادة صورته كان يتعين إشاحة النظر عن النعش والنظر الى الصف الثالث، الى حيث جلس، خلف عائلته الاولى، أفراد من عائلته الثانية "النهاريون" رئيس تحرير جريدة "النهار" السابق فرنسوا عقل، عضو مجلس نقابة المحررين حبيب شلوق، مي ضاهر يعقوب، فيكتور هرموش وجنى نصرالله، ففي كل واحد منهم إنطبعت صورة من صوره. في مقال آخر له في "الروابي" العام 2011، كتب إدمون صعب، بعضاً من سيرته الذاتية في مقال بعنوان "مثل فراشة بين النهر وبرج العذراء"، على شاكلة حوار بينه وبين نهر "البردوني"، تحدث فيه عن اهله "الفلاحين المتجذرين في الارض" عن طموحه ان يصبح "مهندس ذرة" الى ان قست الطبيعة على الفلاحين وسلبته حلمه. "ويكرج دولاب الذكريات ليتوقف عند زيارة قام بها للنهر الشاب الذي اصبح رئيساً لتحرير أهم صحيفة في البلد". لذلك عندما كان يسبغ إدمون صعب صفة "العصامي" على أحدهم، كان يوجه له إطراء، ذلك أنه كان وصفاً يختزن سيرة حياته التي أمضى 45 سنة منها في "أهم صحيفة في البلد".



في تأبينه وصفه المطران معوض بأنه "تميز بعطاءاته الزاخرة، وبشخصيته العصامية، ورأيه الحر المترفع عن الاستمالة والمحاباة، وعرف بثباته في مواقفه الوطنية المتجردة والرشيدة والمخلصة". ليخلص الى ان "النهج الذي إنتهجه يظهر كيف ان للصحافة دورا في إصلاح المجتمع والوطن. نحتاج دوما الى صحافة تعنى بالحقيقة، بموضوعية تبني، وتساهم في انضاج الرأي العام".

وفي رثائه قال فيه نقيب المحررين: "من كان مثله لا يدركه الغياب، إنه سيد الحضور" وأضاف بان "إدمون صعب لم يكن صحافياً فحسب بل صانع رأي عام". وختم قائلاً "يغيب إدمون صعب والصحافة تعيش في اسوأ أيامها، هل قرر الرحيل مؤثراً ان يكون شهيداً على ان يكون شاهداً؟"


وتقديراً لعطاءاته من أجل لبنان، منح رئيس الجمهورية الراحل "وسام الاستحقاق اللبناني الفضي ذو السعف".

من عرف إدمون صعب، لا بد ان يتخيله جالساً، حيث هو، مع رفيق العمر في "الزحلنة" والصحافة أنطوان ابو رحل، الذي سبقه في الشهر عينه من العام 2017، أبو رحل على قلق دائم وكأن خلفه مهمة لم ينجزها، وإدمون على وجهه إبتسمة صبي لعوب، يستعرضان الحضور والغياب من "الزحالنة" وزملاء المهنة يقيمان ويعلقان. ولربما لم يفصحا لبعضهما ما ادركاه في سرّهما، من جواب قدمه المشهد العام في الكاتدرائية على سؤاله "زحلة هل تعود ... متى؟" فزحلة لم تستقم بعد من كبوتها.