الحراك الأخير... بين وجع الناس والاستغلال

ينجح من يقف على سيارة الصوتيات في أي تظاهرة بالسيطرة على الساحة وخطاباتها، وحتى في تسيير طريقها، لكنه يكون واهماً إذا  ظن أنه قد ينجح بإسقاط معتقداته الشخصية وفكره السياسي على الحضور.

خرج الحزب الشيوعي اللبناني الأحد في 16 الحالي في تظاهرة كبيرة انطلقت من أمام مصرف لبنان وانتهت في رياض الصلح. نجح في استنهاض الكثير من اليسار مجدداً تحت شعار المطالب الإجتماعية، كما شارك من شارك من ناشطي الحراك المدني في التظاهرة.

اللافت في مسيرة شارع الحمراء كان مشاركة الوجوه الإعلامية التابعة لـ"حزب الله"، الصقور المستشرسة لدى أي استحقاق للدفاع عن خيارات التنظيم. حضروا وساروا في تظاهرة "العلمانييين". ولا يغيب عن البال طرد النائب نواف الموسوي خلال لقاء في بلدة "عين بعال" مواطناً جنوبياً لكونه صرّح بأنه لن يصوت للائحة "حزب الله"- حركة أمل. كذلك دعا المعترضين حينها إلى أن يخرجوا من القاعة.

أطلق الأمين العام للحزب الشيوعي يومها موعداً لتحركات مماثلة، وعتمت على كلامه دعوات عبر منصات التواصل الاجتماعي تحاكي ما جرى في باريس وثورة السترات الصفر ضد الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون. هذه الدعوات اللقيطة لم يُعرّف لها أب فعلي بل ادعت ابوتها وامومتها جهات عدّة. وأي كان مصدر الدعوة فإن وجع الناس كان العامل الفعلي وراء هذه التلبية.

عند العاشرة من صباح الأحد (الأمس)، بدأ الناس يتجمعون في ساحة الشهداء في بيروت. وعند قرابة الحادية عشر، وصلت سيارة بيضاء رفعت عليها مكبرات الصوت، قيل أن المحامي حسن بزّي هو من استأجرها. فجأة صدح صوت يشرح للناس المطالب ويدعوهم إلى حراك سلمي من دون المساس بأحد. الكلمة المعدة سابقاً تم تشغيلها عبر جهاز حاسوب أخفق مشغله لفترة وجيزة فسمعنا جزءاً من خطاب للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وهو يقول: " أنتم الوعد الصادق". كذلك حضرت الى الساحة مجموعة من المواطنين تطالب بالعفو العام ويتوسطهم دمّر المقداد.

تكلم المحامي بزّي ومن ثم استلم المنبر الاعلامي في قناة الميادين علي مرتضى الذي لم يتحرر في كلامه من المناطقية والطائفية وأوعز الى احد المحيطين به أن يوزع بعض القصاصات الورقية التي تختصر مطالب الجماهير بالبطاقة الصحية وتخفيض سعر المحروقات. ومن دون معرفة السبب، دعا من تواجد في سيارة الصوتيات الناس للتوجه الى ساحة رياض الصلح، هي السيارة نفسها التي صدر منها دعوات الى الذهاب ولم تدعوهم الى المغادرة بعد انتهاء التظاهرة بل تركتهم في مواجهة القوى الأمنية وانسحبت مع شخصياتها وولائها لأحزاب السلطة.


البطاقة الصحية واسعار المحروقات من المصطلحات الاكثر استخداماً، وكأن أحداً اراد أن يسوّق لوزير الصحة المقبل جميل جبق قبل مجيئه في حين قطع وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال غسان حاصباني الطريق امام هذا المخطط وأعلن في برنامج "وهلق شو" على قناة "الجديد" أن البطاقة الصحية انجزت وباتت في يد رئيس البرلمان. اما في  الجانب الآخر، لماذا تم التصويب على ملف المحروقات في حين أن السوق يشهد انحداراً مرضياً في أسعار الوقود.


لم نسمع عن قانون انتخابات او الغاء الطائفية السياسية أو حتى محاربة الفاسدين. الذين أتوا الى الساحة جاءوا ضد الفساد إلا ان بعضاً من امتطى صوت التظاهرة تمسك بالفاسدين وصوّب على جهة من السلطة من دون أخرى، وهو ما يبرر تلك الإشادة الكبيرة بالتظاهرة في مقدمة تلفزيون المنار . وقد حاول البعض التعتيم والتشويش على أي صوت ينال من كل احزاب السلطة وحصر الخطاب كما خُطط له. 

برزت أمس أصواتُ مغايرة عن السابق لا ندري اذا ما كانت محررة من انتمائها أو مسيّرة منه، وفي الحالتيّن هي رسالة في طياتها نقاط عدة ارادت بعض الجهات إيصالها للآخرين. أولاً، لا يمكن السكوت عن وجع الناس بعد اليوم، وها هو الشارع بات يفلت من أيدينا. ثانياً، نحن يمكننا ان نحرك الشارع في قضايا مطلبية ضد السلطة وفي أوقات حساسة. ثالثاً، قد تكون هذه الاحتجاجات الشعبية مطية كإضراب غسان غصن في 7 ايار 2008 ليستثمر في مآرب أخرى. رابعاً، قد تكون تظاهرة أمس وسيلة ضغط لمحاربة فعلية للفساد ابتداءً من البيت الداخلي والبيوت الأخرى وهو أمر مستبعد جداً.

ولكن مهما تكن تجربة الأمس، فان الظاهر أن من حاول ركوب موجة الناس تستر باليسار أيضاً إن كان عبر أغاني جوليا بطرس التي لم نسمع سواها أو عبر شعارات وهتافات اليسار، وبالتالي تحاشى البعض أن يرفع شعاراتهم الحزبية خوفاً من تشتت بقية الجموع ومغادرة الساحة أسوة بمن غادروها حين رأوا بعض الوجوه. فالحراك المدني ومطالب الناس ليسا حصان طروادة، ومن يريد أن يرفع شعاراته المطلبية لم لا يبدأ ذلك عبر جمهوره وتحت رايته.