"قنابل الخفافيش"... سلاح كشف ذكاء وإجرام الإنسان في الحروب؟

جاد محيدلي

كثيرة ومتعددة هي الأسلحة التي اخترعها الإنسان من أجل القيام بالحروب وإلحاق الأذى بالبشر والحجر، وأثبت التاريخ أن الإنسان من أكثر الكائنات إجراماً على وجه الأرض. كيف لا وهو من اخترع سلاح الخفافيش؟ قنابل الخفافيش كانت سلاحاً تجريبياً اعتمدته الولايات المتحدة الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية بناء على اقتراح من طبيب الأسنان الدكتور ليتل آدامز الذي كان صديقاً للسيدة الأولى. تتكون هذه القنابل من غلاف على شكل قنبلة مع عدة حجرات من الداخل، تحتوي كل حجرة على خفاش مكسيكي حر الذيل، وتم تعليق جهاز حارق صغير على كل خفاش. كانت الأغلفة مبردة من أجل خفض درجة حرارة جسم الخفافيش وإجبارهم على الدخول في وضع سبات لحين إسقاطهم من طائرة قبل وقت قصير من الفجر، ولإبطاء هبوط القنبلة استعملت المظلات، ثم يتم بعد ذلك فتح الأغلفة وإطلاق الخفافيش.

كان المشروع في الأساس مبنياً على طبيعة الخفافيش التي تتهرب من الضوء وتختبئ في الأماكن المظلمة، والتي تتوجه مباشرة عند إطلاقها نحو الزوايا المظلمة على غرار علّيات المنازل، ثم وعند انقضاء الوقت المخصص لها، تتفعل الأجهزة الحارقة المربوطة بها مما يتسبب بحرائق متزامنة وفي أماكن يصعب الوصول إليها لإخمادها، كما أن العديد من هذه الحرائق لن يتم ملاحظتها حتى تنتشر، أي بعد فوات الأوان. واعتقد أن قنابل الخفافيش كانت فعالة بشكل خاص في اليابان حيث كانت معظم المباني مصنوعة من الخشب والورق، وكان من المنتظر أن يؤدي إطلاق هذه الخفافيش إلى افتعال حرائق مهولة في كبريات المدن اليابانية، وأضرار كبيرة في البنى التحتية مع خسائر بشرية أقل من التي يحدثها القصف الجوي.

على الرغم من أن هذه الخطة قد تبدو صعبة التحقيق وبعيدة المنال، إلا أن الولايات المتحدة وافقت على تطوير قنابل الخفافيش لأربعة أسباب: أولاً: الخفافيش متوفرة بأعداد كبيرة. ثانياً: يمكن للخفافيش أن تحمل أكثر من وزنها خلال الرحلة (تصل إلى ثلاثة أضعاف وزنها). ثالثاً: بإمكان الخفافيش السبات لفترات طويلة دون الحاجة إلى الغذاء أو الماء. وأخيراً: الخفافيش كائنات تنشط في الظلام، وبمجرد تعرضها للضوء، فإنها تسارع للبحث عن أماكن منعزلة ومظلمة للاختباء فيها. لاقى البرنامج نجاحاً متوسطاً على أرض الواقع، ولكن ما حدث خلال الاختبارات هو هروب بعض الخفافيش، ما أدى إلى احتراق جزء كبير من القاعدة التي احتضنت المشروع – قاعدة كارلسباد الجوية الاحتياطية للطيران الحربي. 

جاءت نتائج التجارب واعدة جداً، ما أدى للاعتقاد أن هذا المشروع سيعوض القنابل الحارقة التقليدية التي كانت ستتسبب على الأرجح بحوالي 167-400 حريق لكل حمولة، بينما تستطيع قنابل الخفافيش أن تتسبب في حوالي 3,625-4,748 حريقاً لكل حمولة. أضف إلى ذلك أنه بإمكان عشر طائرات حربية من طراز B-24 أن تنقل عددا كبيراً من الخفافيش يصل إلى 1040000 خفاش مصحوبة بأجهزة حارقة يزن كل واحد منها 17-28 غراماً. لكن على الرغم من كل هذه النتائج الايجابية التي أحرزها البرنامج، إلا انه ألغي، ليس لأنه فاشل، بل لأسباب أخرى من بينها المبلغ المالي الكبير الذي أنفق عليه والذي يقدر بـ2 مليوني دولار. بالنظر لما أسفرت عنه القنبلتان النوويتان من خسائر فادحة، كان لمشروع الخفافيش أن ينهي الحرب بطريقة أكثر فعالية وأقل دراماتيكية، فلولا قطع التمويل عنه، كان ليجهز بحلول عام 1945 أي قبل جاهزية السلاح النووي بكثير.