اعتراف محامي ترامب... "أمكن أن ينهي أي رئاسة"

خلال نيسان الماضي، اقتحم مكتب التحقيقات الفيديراليّ "أف بي آي" مكتب كوهين ووضع يده على مجموعة من الأجهزة الإلكترونيّة ممّا أثار غضب الرئيس الأميركي الذي حافظ على ثقته الكبيرة بمحاميه. لكن يبدو أنّ هذه الثقة ستبدّد بشكل كبير وربّما بشكل كامل في المرحلة المقبلة بعدما وصفه ترامب بال "كاذب" وال "ضعيف" وبأنّه "ليس رجلاً ذكيّاً جدّاً". وسبق لكوهين أن قال إنّه مستعدّ ل "تلقّي رصاصة" دفاعاً عن الرئيس الأميركيّ. غير أنّ موقفه بدأ يشهد تراجعاً مع اعترافه بثمانية اتّهامات فيديراليّة في آب الماضي، منها ما يتعلّق بانتهاك لقوانين تمويل الحملة الانتخابيّة. لكنّ أهمّ ما في اعترافاته هو ما صدر عن فريق محاميه الأسبوع الماضي والذي قد يشكّل منعطفاً أساسيّاً في تحقيقات المحقّق الخاص روبرت #مولر.


"نحو حياة أكثر أخلاقيّة"

في آب 2017، أخبر كوهين الكونغرس أنّ نقاشات حول تطوير عقاريّ لمنظّمة ترامب في موسكو انتهى في كانون الثاني 2016. لكن في الواقع، استمرّت المحادثات حتى وقت متأخر امتدّ إلى "حزيران 2016 تقريباً" – الشهر نفسه الذي جرى فيه الاجتماع الشهير في "ترامب تاور" بين مسؤولين من حملته الرئاسيّة ومحامية روسيّة وعدتهم بتأمين أخبار سيّئة عن هيلاري كلينتون. وأشارت الوثائق إلى أنّ كوهين ناقش الاتّفاق مباشرة مع ترامب أكثر من ثلاث مرّات و "وافق على السفر إلى روسيا (في رحلة) مرتبطة بمشروع موسكو واتّخذ خطوات للتفكير باحتمال باحتمال سفر ‘الفرد 1‘ (ترامب) إلى روسيا".

تقدّم محامو كوهين ليل الجمعة بمذكّرة إلى محكمة في مانهاتن أشاروا بموجبها إلى أنّ موكّلهم يعترف بمسؤوليّته في جرائمه السابقة من خلال التعاون الكامل مع تحقيقات مولر. وبموجب هذه المذكّرة، يقول كوهين إنّه أبلغ ترامب محادثة مع الكرملين في مسعى لبناء ناطحة سحاب في موسكو خلال الحملة الانتخابيّة سنة 2016. وتعاون كوهين مع مولر في أكثر من 70 ساعة تحقيق وهو التزام يقول محاموه إنّه يأتي في إعادة تصويب سلوكه نحو "حياة منتجة وأخلاقيّة ومعمّقة بالالتزام بالقانون". ويقول المحقّق الخاص إنّ كوهين أخبر لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ كذباً أنّ اقتراح موسكو "انتهى في كانون الثاني 2016 وأنّه لم يناقَش بشكل واسع مع آخرين" في منظّمة ترامب. وكتب فريق مولر أنّ كوهين ناقش مشروع موسكو مع شخص آخر حتى حزيران 2016 وأخبر ترامب بذلك مرّات أكثر ممّا سبق له أن ادّعاها أمام اللجنة. وأضاف فريق مولر أنّ كوهين "أبلغ أعضاء من عائلة (ترامب) ضمن الشركة حول المشروع".


بين كوهين وبيسكوف

علّق أبرز ديموقراطيّين سيترأسان التحقيقات حول إدارة ترامب في مجلس النوّاب السنة المقبلة على اعتراف كوهين قائلين إنّه يؤكّد وجود "نفوذ" يتمتّع به الكرملين إزاء ترامب. وقال النائب جيري نادلر الذي سيرأس اللجنة القضائيّة في مجلس النوّاب سنة 2019: "إنّ واقع أنّه كان يكذب على الشعب الأميركيّ حول قيامه بأعمال في #روسيا، وأنّ #الكرملين عرف أنّه يكذب، أعطى الكرملين تحكّماً به". وكان للنائب آدم سكيف الذي سيرأس لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب تصريح إعلاميّ مشابه، رأى فيه أنّ ما يعرفه الروس عن ترامب "أوسع بكثير ممّا كنّا نظنّه".

إنّ ما قد يعزّز الشكوك في هذا الإطار هو تصريح قاله الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف خلال إجابة على سؤال من شبكة "سي أن أن" في آب 2017. في ذلك الوقت، قال كوهين للشبكة إنّه وجّه رسالة إلكترونيّة إلى بيسكوف، من دون أن تتلقّى جواباً. أكّد بيسكوف أنّ مكتبه تلقّى هذه الرسالة التي أشارت إلى أنّ "شركة روسيّة معيّنة مع أفراد معيّنين يسعون إلى هدف بناء ناطحة سحاب في حي ‘موسكو سيتي‘ لكنّ الأمور لا تسير بشكل جيّد وطلبوا المساعدة مع بعض النصائح للمضيّ قدماً في هذا المشروع. لكن منذ ذلك الحين، أكرّر مجدّداً، لا نقوم بردّ فعل على مسائل أعمال كهذه – ليس هذا عملنا – تركناها من دون جواب". وأضاف: "لا نستطيع مناقشة الرئيس بوتين بمئات وآلاف المطالب المختلفة التي، بالمناسبة، تأتي من دول متنوّعة".


ملاحظات كثيرة

هنالك الكثير من النقاط التي سيتمّ التسليط الضوء عليها في المرحلة المقبلة بعد قرار كوهين الأخير، من بينها، احتمال وجود عرقلة رئاسيّة لمجرى العدالة ووجود أسباب قلق لدى آخرين وأبرزهم دونالد ترامب جونيور. ففي أيلول 2017، استجوبت اللجنة القضائيّة في مجلس الشيوخ دونالد جونيور حول محاولتين لبناء "ترامب تاور" في روسيا، فقال إنّه يعلم "القليل جدّاً" وبشكل "هامشيّ" عن تلك المحاولة، وأنّ الاتّفاق "بدأ يتلاشى نوعاً ما، أعتقد نهاية 2014". لكن هنالك ما هو أكثر من ذلك بحسب البعض.

في مقال رأي لمجلّة "ذي اطلانتيك" الأميركيّة، رأى المحامي والمدّعي العام الفيديراليّ السابق كَن وايت أنّ هنالك ثلاث ملاحظات يمكن استنتاجها من اعتراف كوهين. الأولى هي أنّ هذه الخطوة أتت بشكل فجائيّ ومن دون تسريبات مسبقة ممّا يدلّ إلى انضباط فريق المحقّق الخاص. الملاحظة الثانية تكمن في أنّ أهمّية اعتراف كوهين لا تكمن فقط في أنّه "كذب" بل في "ما كذب بشأنه" أي مواصلة ترامب السعي للاستفادة من الفرص الروسيّة خلال مراحل متقدّمة من حملته وأنّ كوهين أبقى ترامب وآخرين مطّلعين على المسألة. أمّا الملاحظة الثالثة، فهي أنّ المحامي، ولو بطريقة ضمنيّة، كذب ليؤيّد نسخة ترامب من هذا الخبر وهذا يعني أنّ الرئيس الأميركيّ علم بما كان يقوم به كوهين أمام الكونغرس ولم يتحرّك. وكتب وايت أنّ ما حصل "أمكن في ظروف عاديّة إنهاء رئاسة" مضيفاً: "لا يزال بإمكانه ذلك".


سلوك غير جرميّ.. ومع ذلك "كارثيّ"

لم يكن وايت الوحيد الذي وجد أنّ تداعيات اعتراف كوهين قد تكون منهية لرئاسة ترامب. لكن مع ذلك، لا يعني الكذب حول روابط ترامب الروسيّة حتميّة وجود نيّة بالتواطؤ مع الكرملين من أجل تسخير نفوذه والتدخّل في الشؤون الأميركيّة الداخليّة. بالنسبة إلى راندال إلياسون من صحيفة "ذا واشنطن بوست" يبقى احتمال التواطؤ وارداً. لكنّه بالمقابل أشار إلى سيناريو آخر يفترض أنّ الكذب يحصل أحياناً لتغطية سلوك قد لا يكون بالضرورة غير شرعيّ. وفقاً لهذا السيناريو، يمكن أن يكون ترامب قد حافظ على علاقات اقتصاديّة مع روسيا لكنّه لم يرد الإفصاح عن ذلك خلال حملته الانتخابيّة التمهيديّة كي لا تتضرّر شرعيّته أمام الجمهوريّين والناخبين. لكن حتى مع احتمال عدم ارتقاء سلوك ترامب إلى مرتبة جرميّة، فقد تكون النتائج السياسيّة "كارثيّة" على ترامب، بحسب إلياسون.

لكن هل يعني ذلك فعلاً نهاية مبكرة لرئاسة ترامب؟ قد يكون سابقاً لأوانه الإجابة على السؤال. غير أنّ أغلب الظنّ لا يرجّح ذلك حاليّاً. توازن القوى داخل الكونغرس لا يؤيّد فرضيّة كهذه.