تدني معيار 'الديموقراطية' في العالم العربي

يصدر المؤشر العربي منذ العام 2011 عن المركز العربي للدراسات في #قطر، وهو استطلاع سنوي يهدف للوقوف على اتجاهات الرأي العام العربي نحو مجموعة مواضيع اقتصادية واجتماعية وسياسية، بما في ذلك اتجاهات الرأي العام نحو قضايا الديموقراطية، ويتضمن تقييم المواطنين لأوضاعهم العامة والأوضاع العامة لبلدانهم.

حاول القائمون على المؤشر في تعليقاتهم إظهار بعض الجوانب المشرقة في مجتمعاتنا لجهة تحسن الموقف من الديموقراطية والمؤسسات والانتخابات والتدين والحريات غيرها.

لكن عندما نقارن نتائج هذا المؤشر مع نتائج مؤشر الفساد الذي يصدر عن منظمة الشفافية العالمية والمؤشر العالمي للحرية الذي يصدر عن "فريدوم هاوس"، سنجد أن الوضع في المنطقة لا يزال في منتهى السوء، بالرغم من التقدم الطفيف في اتجاهات المواطنين.

يظهر مؤشر الفساد أن غالبية دول العالم لم تحرز أي تقدم على الإطلاق لإنهاء الفساد عدا إحراز بعضها تقدما ضئيلا. ومن اللافت أن مؤشر الحرية في تراجع مستمر وهو ما يشير إلى تراجع الحرية حول العالم، نتيجة صعود القوميين والشعبويين في الدول الديموقراطية، الذين يمثلون تهديدا للديموقراطية العالمية؛ بالإضافة إلى الانتهاكات التي تمارسها الأنظمة القمعية. من دون أن ننسى التجاوزات التي تقع في الحروب دون تحميل المسؤولية لأي جهة ومركزها الشرق الأوسط.

فيما يتعلق بالفساد، اعتمد المؤشر العربي على مدى انتشار الفساد المالي والإداري في البلاد، بوصفه أحد المؤشرات المعيارية التي يمكن أن تساهم في تفسير العلاقة بين المواطنين والدولة وفي تقييمهم لأداء دولهم. ولقد أجمع حوالي 91 في المئة، على أن الفساد منتشر بدرجات متفاوتة في بلدانهم.

ومن الملاحظ وجود نوع من التوازي العام بين ارتفاع معدلات الفساد وانخفاض الحريات. جميع الدول العربية تعاني من الفساد؛ إذ حصلت جميعها على علامة أقل من 50 درجة على مؤشر الفساد (ما عدا دولتين: الإمارات وقطر نالتا علامة فاقت الخمسين درجة)؛ هذا يعني أن الدول العربية تعيش في ظل نسب فساد عالية. في المقابل، أفاد مؤشر الحرية أن الدولة الوحيدة التي صنفت كدولة حرة في العالم العربي (22 دولة) هي تونس مع درجة إجمالية بلغت 78 من 100 (المئة تعني بلدا يتمتع بالحرية التامة). فيما صُنفت خُمس الدول العربية تحت خانة "حرة جزئيا"، وهي: جزر القمر ولبنان والمغرب والأردن والكويت. أما بقية الدول العربية البالغ عددها 14 فصنفت كدول "غير حرة".

درجة اجمالية

تساوت مصر مع قطر وجيبوتي في مؤشر الحرية في عدد النقاط بحصولها على درجة إجمالية متوسطة بلغت 26، فيما نالت السعودية 10 درجات وتذيّلت سوريا الترتيب بحصولها على درجة إجمالية متوسطة بلغت ناقص 1.

يتماشى هذا مع ما يكشفه التحليل المفصل لنتائج المؤشر لجهة أن معظم البلدان التي تتدنى فيها مستويات حماية الصحافة والمنظمات غير الحكومية هي التي تتصدر أعلى معدلات الفساد؛ فالفساد يساهم في التضييق على المجتمع المدني الذي يعبر وجوده عن مستوى الديموقراطية في البلد المأخوذ بعين الاعتبار. ما يعني وجود ارتباط سلبي بين الفساد ومستوى الحريات العامة.

تمتعت البلدان ذات الأنظمة الديموقراطية عموما بمعدلات جيدة نسبيا على المؤشرين معا تفوق كثيرا البلدان الأخرى ذات الأنظمة غير الديموقراطية. وتصدرت كل من فنلندا والنرويج والسويد مؤشر الحرية.

السؤال الذي يشغلنا هو إلى أي مدى يتلمس المواطن العربي هذه العلاقة بين الفساد ومستوى الحريات العامة؟ وهل يمكنه أن يقيّم مستوى الديموقراطية أو تدهور الحريات في بلدانه.

إذا دققنا في نتائج المؤشر العربي سوف نجد أن الشكوى العارمة من الفساد لا ترافقها شكوى موازية من غياب الحريات.

يعتمد مؤشر الحرية العالمي في تصنيفه على معياريين أساسيين، هما: الحقوق السياسية والحريات المدنية، ثم يحسب درجة إجمالية من صفر إلى 100 لكل دولة محل الدراسة.

فكيف قيّم المواطن العربي مستوى الديموقراطية في بلاده؟

سنجد الترتيب على الشكل التالي:

السعودية 7.5

الكويت 6.9

الأردن 6.2

موريتانيا 5.9

لبنان 5.8

مصر 5.6

تونس 5.2

المغرب 5.1

العراق 4.9

فلسطين 4.7

السودان 3.7

المعدل 5.5

المعدل العام 5.5 وهو يعني أن التقييم العام للديمقراطية فوق المتوسط بقليل؛ فيما تصدرت السعودية مع درجة 7.5 رأس اللائحة.

ووجد 55 في المئة من المستطلعين أن الحريات مضمونة بالكامل أو مضمونة إلى حد ما في بلدانهم؛ و39 في المئة رأوا أنها غير مضمونة إلى حد ما أو غير مضمونة على الإطلاق. وهذا يتعارض مع نتائج مؤشر الحرية الذي أفاد بأن معظم الدول تغيب عنها الحرية أو أنها منقوصة. إذن تفيد النتائج بأن تقييم الرأي العام العربي لحرياته أعلى مما هي عليه في الواقع بشكل عام.

ففي حين جاءت تونس في صدارة الدول العربية كدولة حرة مع درجة 70 وهي تساوي 10 أضعاف درجة المملكة العربية السعودية. كان تقييم التونسيين للديموقراطية في بلدهم 5.2 وهو ليس فقط أقل من تقييم السعوديين، بل واللبنانيين أيضا الذين تبين أن بلدهم هو دولة "حرة جزئيا" ويقدرون الديموقراطية بـ 5.8.

هذا يعني أن الحصول على الحرية يدعم الديموقراطية، وكلما كان النظام أكثر ديموقراطية، كلما تمتع المواطن بحس نقدي يساعده على التقييم الأقرب إلى الواقع. والعكس صحيح، كلما تعرض المواطن للقمع يصبح أكثر ميلا للقبول بالأوضاع السيئة واعتبارها مقبولة.

وليس أدل على ذلك ما أظهره التقرير من أن أكثرية المستجيبين أفادوا بأن المواطنين غير قادرين على انتقاد الحكومة دون خوف، بالرغم من تقييمهم الإيجابي لمستوى الديموقراطية. فكيف تكون إذن الحريات مضمونة؟ فسر التقرير هذه النتيجة بأنها تعود إلى كونه موضوعا عمليا بينما تقييم ضمان الحريات يكون مختلطا بين العملي والمجرد.

وهذا يعني أن المواطن العربي لا يمتلك الشروط الأساسية كي يتمكن من تقييم أوضاعه بشكل دقيق؛ الأمر الذي يتطلب اعتماد وسائل قياس إضافية موضوعية لتقدير مدى توافق تقييم المواطن النظري لوضعه مع الواقع الحقيقي أو العملي.

استنتج المؤشر العربي أن مواطني المنطقة العربية يفهمون الديموقراطية، على أساس سياسي قائم على ضمان الحريات السياسية والمدنية، ونظام حكم يحترم التعددية وتداول السلطة. أو من خلال مفهوم سياسي يعتمد على نظام حكم يحقق العدل والمساواة بين المواطنين.

هذا المقال ينشر أيضاً في "الحرة"