هل الإفلاس قدر؟

د.أيمن عمر- باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية

ماذا يعني إفلاس الدولة؟

يعرَّف إفلاس الدولة بفشلها وعدم قدرتها على الوفاء بديونها وعلى سداد التزاماتها المالية مثل دفع الرواتب والأجور ودفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع. وقد يرافقه إعلان رسمي من قبل الحكومة بعدم السداد، أو السداد الجزئي لديونها ، أو الوقف الفعلي للدفعات المستحقة. في مثل هذا الوضع تكون الدولة مفلسة مالياً، لا تستطيع تسيير الأمور الاقتصادية والاجتماعية، بل حتى أبسط الأمور المعيشية. ومن أهم أسباب إفلاس الدولة هو انخفاض حاد في الإيرادات العامة مما قد يؤدي إلى ارتفاع في المديونية، أو لسبب أزمة اقتصادية خانقة نتيجة لسياسات وقرارات خاطئة، أو لسبب خسارة الدولة للحرب مع دولة أخرى. وإن فساد الهيكل الإداري للدولة هو أحد أهم الأسباب. ولا تعلن الدول إفلاسها بنفس الطريقة التقليدية التي تعلن بها الشركات إفلاسها. وتلجأ الدولة في هذه الحالة إلى جهات تستطيع إقراضها كدول صديقة، أو إلى منظمات دولية رسمية - كصندوق النقد الدولي أو نادي باريس- التي تتولى مهمة تقييم الأوضاع الاقتصادية للدولة، وتقوم بمنحها تسهيلات اقتصادية على قروضه على أن تسير على الخطة الاقتصادية التي وضعتها لها للخروج من أزمتها، وعلى إعادة جدولة ديونها. ومن أمثلة الدول التي أعلنت إفلاسها الاتحاد السوفياتي سابقاً والأرجنتين واليونان.

خطورة الوضع المالي

للوقوف على حقيقة الوضع المالي لا بد من تحليل 3 مؤشرات وهي: العجز المالي، الحساب الجاري والدين العام.

- العجز المالي: أصدرت وزارة المال في تشرين الثاني ملخصاً عن الوضع المالي للأشهر الستة الأولى من السنة الحالية. فقد ارتفع العجز من 1368 مليار ليرة في حزيران 2017 ، إلى 4577 مليار ليرة في حزيران 2018 ، أي بزيادة قيمتها 3208 مليارات ليرة ونسبتها 234.5%. وإن سبب هذا العجز هو الزيادة الهائلة في النفقات والتراجع في الإيرادات. فقد زادت النفقات بنسبة 28.8% أو ما قيمته 3029 مليار ليرة لتبلغ 13533 مليار ليرة في نهاية حزيران 2018 مقارنة مع 10503 مليارات ليرة في الفترة نفسها من السنة الماضية. أما الإيرادات، فقد انخفضت بنسبة 1.97%. وبحسب تقرير بنك عودة فقد زادت النفقات العامة بنسبة 26.4% خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، بينما ارتفعت الإيرادات العامة بنسبة 3.4% فقط. وبالعودة إلى موازنة 2018 المقترحة، فإنها تشكو من عجز يبلغ 4.8 مليار دولار. تأتي الزيادة في عجز الموازنة في سياق زيادة بنسبة 44.1% في تحويلات الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان وسط ارتفاع أسعار النفط وزيادة في مدفوعات الفائدة بنسبة 5.5%.

- الحساب الجاري: بالاعتماد على البيانات الجمركية الرسمية، ارتفع حجم الاستيراد إلى 20.3 مليار دولار في العام 2017، أي بزيادة نسبتها 29% عن العام 2016. في حين بلغت قيمة الصادرات في العام 2017 حوالي 2.5 مليار دولار فقط، أي بلغ العجز 17.8 مليار دولار. وبالتالي فإنّ معظم الاموال الموجودة أو تلك التي تتحقق من الاقتصاد اللبناني تخرج من لبنان لتمويل متطلبات الاستيراد وفوقها عجز. ووفق تقرير "القطاع الخارجي (ESR) لعام 2018"، الصادر عن صندوق النقد الدولي، يحتل لبنان المرتبة 13 على قائمة البلدان الـ 15 التي سجّلت أكبر العجوزات في موازين الحسابات الجارية على صعيد العالم، ويحتل أيضاً المرتبة الأولى عالمياً على صعيد نسبة العجز في الحساب الجاري الى مجمل الناتج المحلي، إذ بلغت25% أي ربع الناتج المحلي. ووفق تقديرات الصندوق، فإن قيمة التمويل المطلوب للبنان هذا العام تبلغ نحو 14 مليار دولار، أي ما نسبته 27.4% من مجمل الناتج المحلي.

- الدين العام: أصبح الدين العام 81.9 مليار دولار بعد ما كان 79.5 مليار دولار في نهاية العام الماضي بحسب أرقام جمعية المصارف، إذ وصلت نسبته إلى 152.8% للناتج المحلي، وهو ثالث أكبر نسبة في العالم بعد اليونان واليابان بحسب صندوق النقد الدولي. ومن المرجح أن يصل الدين العام إلى 110 مليار $ في الخمس سنوات المقبلة. وبحسب تقديرات البنك الدولي، تستهلك خدمة الدين العام 50% من الإيرادات العامة. وإن نسبة فوائد الديون إلى الإيرادات في لبنان تعتبرهي الأعلى في العالم عند 42.9 %.‬‬‬‬‬‬

تحذيرات المنظمات والتقارير الدولية

في تصريح حول الوضع المالي في لبنان، قال مسؤول بارز في البنك الدولي إن "لبنان يقاوم السقوط منذ وقت طويل" وسيأتي يوم "يتحقق فيه السقوط". وفي أحدث تقرير للبنك الدولي في تشرين الأول 2018 بعنوان:"اقتصاد جديد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، توقّع أن يصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي إلى 155% في نهاية العام 2018. وحذّر البنك الدولي من أن "إطار الأخطار الخاص بلبنان يرتفع في شكل حاد"، معتبراً في تقرير أن "فائدة بعض الأدوات التي يستخدمها المصرف المركزي، تُستنفَد بعد سنوات من التطبيق". وأن لبنان يحتاج إلى تنفيذ إصلاحات لخفض العجز في الموازنة وفي ميزان التعاملات الجارية، وتقليص الاعتماد على عمليات المصرف المركزي. وأشار إلى "تسليط الضوء على الإصلاحات في الأوضاع المالية وقطاع الكهرباء كأولويات". ويؤكد صندوق النقد على ضرورة الوصول إلى ضبط "فوري وكبير" للمؤشرات المالية الرئيسية من أجل تحسين القدرة على خدمة الدين العام. كذلك نصح صندوق النقد لبنان باحتواء المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي، بما في ذلك تحفيز المصارف على تحسين جودة الائتمان. هذا إضافة الى إصلاح قطاع الكهرباء مع تعزيز وتفعيل الإطار التنظيمي لمكافحة الفساد. وصنفت وكالة التصنيف الدوليّة "موديز" في تقرير جديد حول الديون السياديّة العالميّة تحت عنوان "النظرة المستقبليّة للعام لا تزال مستقرة، فيما تباطؤ النمو يشير الى آفاق متفاوتة"، لبنان ايضاً ضمن الدول الاكثر عرضة لارتفاع علاوات المخاطر وتلك التي سجلت النمو الاكبر في الهوامش.

إن إفلاس الدولة يعني انهياراً تاماً للاقتصاد الوطني، وتدهوراً في الوضع المعيشي، وارتفاعاً في معدل البطالة بشكل يهدّد الأمن الاجتماعي والسياسي، وحالة من الفوضى في المجتمع. ومع أننا لم نصل إلى مرحلة الإفلاس المالي إلا أنناعلى شفير الهاوية، وأن الموضوع جدّ خطير ولا يدخل في إطار التهويل الإعلامي الأمر الذي يستدعي إعادة الانتظام العام للدولة وإجراء الإصلاحات الجذرية في هيكلية ومكافحة جدّية للهدر والفساد وتكبير حجم الاقتصاد لاستيعاب وتيرة العجز المرتفع وتجنيب البلد الإفلاس المالي المهرول على الأبواب.