نصيحة: تَعَرَّفْ إلى جورج هنري ريفيير في "موسم" مرسيليا

مرسيليا- أوراس زيباوي

يكرّم متحف "موسم" في مرسيليا جورج هنري ريفيير (1897-1985)، أحد أبرز الوجوه الثقافية الفرنسية في القرن العشرين ومن الذين يجسدون فكرة الحداثة بالمعنى الشامل للكلمة.

وضع ريفيير رؤية جديدة لـ"متحف الانسان" في ساحة تروكاديرو في باريس وفق معايير اتنولوجية وخارج أي تصنيف يميز بين ثقافة وأخرى.

في هذا السياق، أنجز في متحف الفنون الزخرفية في باريس في العام 1928 معرضا يُعدّ الأول من نوعه عن الفنون القديمة في القارة الأميركية، أي الفنون ما قبل الكولومبية. كما أسس في العام 1937 "متحف الفنون والتقاليد الشعبية" في باريس أيضاً.





هذه الرؤية الجديدة للفنون، في وجهيها الجمالي والشعبي، جمعته بعدد من البحّاثة والكتّاب والفنانين الذين بدأوا يعون أهمية هذه الفنون ومنهم من تأثر بها وفي مقدمهم عالم الأنتروبولوجيا كلود ليفي ستروس والكاتب ميشال سير والفنان بيكاسو وعرّاب المدرسة السوريالية أندره بروتون ولويس أراغون وبول إيلوار.

تقتضي الإشارة هنا الى أن تركيز ريفيير على الفنون الشعبية وغير الأوروبية فتح المجال واسعا أمام أبحاث ودراسات ساهمت في تغيير النظرة التي سادت حتى مطلع القرن العشرين حول تلك الفنون التي كانت تسمّى سابقا بالفنون البدائية أو المتوحشة. هذه الفنون التي مثلت منذ نهاية القرن التاسع عشر أحد ينابيع الاستلهام الأساسية لرواد الحداثة ومنهم ألبرتو جياكوميتي وهنري مور وفرنسيس بيكون.

لإبراز شخصية جورج هنري لوميير الاستثنائية وأثرها في الحياة الثقافية الفرنسية، يقيم متحف "موسم" معرضاً بعنوان "الرؤية والفن" يضم ستمئة وثيقة وأعمال فنية تشتمل على منحوتات ورسوم ولوحات وصور فوتوغرافية جيء بها من "متحف جاك شيراك/ الفنون الأولى" و"مركز جورج بومبيدو الثقافي" في باريس، بالإضافة الى قطع من مجموعة متحف "مُوسِّم" الذي افتتح في العام 2013 وكانت قد انتقلت إليه من "متحف الفنون والتقاليد الشعبية" الذي أسسه ريفيير كما أشرنا وأُغلقت أبوابه في باريس العام 2005.

يختصر المعرض المراحل الأساسية في حياة ريفيير الذي توفي والده وهو في الخامسة عشرة من عمره فرعاه عمّه الذي كان فنانا متنوع المواهب والنشاطات ويعمل في مسرح "كاباريه القط الأسود" في حي مونمارتر الشهير الذي استقطب منذ نهاية القرن التاسع عشر عددا كبيرا من الفنانين الطليعيين والمغامرين منهم بيكاسو وتولوز لوتريك.

يؤكد المعرض أن تبني العم لابن أخيه ساهم بشكل أساسي في تعرف ريفيير إلى أنواع الموسيقى الشعبية وموسيقى الجاز وفنون المسرح، ومنها مسرح الدمى وخيال الظل وكذلك فنون السيرك.





ساهمت هذه التربية في بلورة ثقافته السمعية والبصرية، وهي ثقافة قامت على الاستماع الى نبض الشارع وعدم إقامة الحواجز بين الفنون الكبيرة والفنون الصغيرة كما درجت العادة في القرون السابقة. رافقت هذه الرؤية ريفيير طوال سنوات عمله في المتاحف الفرنسية مما ساهم بمدّها بدم جديد.

يعتبر الباحث والعالم جيرمين فيات، وهو أحد الذين أشرفوا على المعرض، أن ريفيير من مؤسسي المتاحف الفرنسية بالمعنى الحديث للكلمة. وهو صرّح لنا أثناء لقائنا به عشية افتتاح المعرض بأن "ريفيير كان ينظر الى الفنون ضمن رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار المراجع الجمالية والاجتماعية والابداعية. وكان يهجس أيضا بأهمية إعطاء الجمهور الذي يزور المتاحف جميع الأدوات المعرفية التي تمكّنه من مقاربة التحف الفنية والمعروضات بأسلوب شيّق يجمع بين العلوم ومتعة الرؤية والحس الشعري الذي طبعه بقوة على امتداد مسيرته الطويلة".


يتميز المعرض بالسينوغرافيا الجميلة التي تستعيد سنوات مضيئة من القرن العشرين مع تنوع في المعروضات يجمع بين منحوتات وأقنعة إفريقية وما قبل كولومبية وأعمال لبيكاسو وفرنان ليجي وملصقات للمعارض التي نظمها ريفيير وصور فوتوغرافية منها الصورة التي جمعته بالمغنية والراقصة الأميركية الأصل جوزفين بيكر التي اختارت فرنسا وطنا لها وكانت أول فنانة سوداء تحوز شهرة عالمية ولا تزال تُعرف الى اليوم بأغنيتها "عندي عشيقان بلدي وباريس" .