لا أستسيغ التحدي لكني أتحدى

بعيداً من المهاترات والألفاظ البذيئة الفظّة وغير المهذَّبة، وبعيداً من أساليب التخاطب المهينة التي باتت دون سواها، أبلغ تعبير عن "الوحدة الوطنية اللبنانية"، يهمّني أن أشهر سيف التحدّي الذي لا أستسيغه. لكني أشهره لأٍسبابٍ وجيهةٍ وموجبة.

فحوى هذه الأسباب، وخلاصتها، ومختصرها، أني أريد أن أمتحن السلطة، جدّية السلطة، ولو لمرّة، في مسألة المولّدات الكهربائية.

بدل استخدام كلمة "الامتحان"، استخدم كلمة "التحدّي".

إني أتحدّى السلطة في المسألة الآتية: أن تذهب في معركتها إلى النهاية مع مافيا المولّدات، حفظاً لكرامتها وهيبتها من جهة – ولو لمرة -، ودفاعاً من جهةٍ ثانية عن حقّ المواطن في الحصول على الكهرباء، بدون إجباره على الرضوخ للابتزاز المشهود الذي يمارسه "زعران" هذا الوكر الموبوء.

لا يريد المواطن أن يرضخ لابتزاز أصحاب المولّدات. وأنا – بصفتي مواطناً وكاتباً – أتحدّى السلطة أن تتوكّل عن هذا المواطن، فتؤمّن له الكهرباء (24 ع 24!!!!) بما لا يجبره أن يدفع ليرةً واحدةً إضافية لهذه المافيات.

التحدّي لا أكتفي به عند هذا الحدّ.

فالسلطة التي تزعم لنفسها الحفاظ على حقوق المواطن في العيش الكريم، وتطبيق القانون، من مسؤولياتها أن تجد، لا حلاًّ لمسألة المولّدات، بل أن تجد حلاًّ نهائياً وجذرياً ودائماً لمحنة الكهرباء.

فهل تقبل سلطتنا الكريمة بهذا التحدّي؟

وإذا – افتراضاً – قبلت به، فهل ستذهب في المعركة – معركة التحدّي – إلى النهاية؟

وإذا ذهبتْ – افتراضاً – في المعركة إلى النهاية، فهل ستخرج منتصرةً أم مثخنةً بجروح المهانات والتسويات والصفقات المرئية وغير المرئية مع جماعة المولّدات وجماعة البواخر وهلمّ؟!

سؤال أتحدّى به نفسي، وأطرحه على نفسي أمام القرّاء: هل يندرج هذا المقال في باب البهورات اللفظية والعنتريات؟

جوابي للقرّاء: لا.

لأن مسألة التحدّي هذه تستوجب شرطاً متمماً للتحدّي، فتتخذ، في هذه الحال، معناها الحقيقي الكامل والمتكامل، وذلك عندما ترتضي السلطة أن تكشف النقاب عمّن يقف وراء أصحاب المولّدات من أهل السلطة نفسها، وأن ترفع الغطاء عنهم.

فهل تستطيع السلطة أن تقف ضدّ نفسها؟ وكيف؟

لا أستسيغ التحدّي، لكني أتحدّى، وأرجو من كلّ قلبي أن أخسر التحدّي هذا. لأن غايتي ليست البهورة والعنترة.

غايتي أن تشرق شمس صباح أحد الأيام، لأجد هذا الملفّ الفضائحي وقد أُقفِل إقفالاً نهائياً، بما يفضي إلى انكشاف الفضيحة من جوانبها كافةً، ورفع الغطاء عن السرقات والصفقات، وعن مرتكبيها، وحُماتهم (خصوصاً الحُماة)، ومحاكمتهم علناً، والزجّ بهم في السجون، وتدفيعهم المبالغ الهائلة التي أمضوا سنواتٍ وسنواتٍ في تجميعها على حساب المواطن المعتّر.

وإذا كان من تحدٍّ مماثلٍ لهذا التحدّي، ولا يقلّ عنه أهميةً، فهو أن تذهب الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة، وسواها من وسائل إعلام، في هذا الملفّ إلى آخره، فلا تترك ستراً مغطّى، بشرط أن تبتعد عن البهورة والعنترة وقلة التهذيب، وتقرن أقوالها بالوثائق والبراهين و... الأسماء. وهي كثيرةٌ. ولا بدّ.

لا أستسيغ التحدّي لكني أتحدّى.

Akl.awit@annahar.com.lb