قمّة اسطنبول... انتفاء الآمال الكبيرة ليس انتفاء للفرص

اجتماع تناقضات

استطاعت اسطنبول أمس جمع دول متشابكة وأحياناً كثيرة متناقضة التوجّهات بالنسبة إلى هذا الصراع. تمكّن بوتين من حسم النزاع العسكريّ لصالحه وإعادة توسيع نفوذه في الشرق الأوسط. غير أنّه عاجز وحده عن رسم معالم حلّ سياسيّ يحتاج بشكل أساسيّ إلى تغطية سياسيّة واقتصاديّة من الدول الغربيّة. من جهته، كان الرئيس التركيّ قد تمكّن من تدارك الأسوأ في قمّة #سوتشي، فمنع عملاً عسكريّاً واسعاً في #إدلب أمكن أن يرتدّ عليه بمئات الآلاف من اللاجئين الإضافيّين.

إلى الآن، يبقى هذا الإنجاز معلّقاً طالما أنّ احتمال العودة إلى التصعيد العسكريّ لا يزال وارداً، لكن في الوقت نفسه، أقلّ احتمالاً من السابق. وهذا ما أعلنه المجتمعون في البيان الختاميّ الذي تلاه أردوغان وقد أكّدوا فيه "أهمّيّة وقف دائم لإطلاق النار (في إدلب) مع التشديد على مواصلة المعركة ضدّ الإرهاب"، مشيدين بـ "التقدّم" في مسألة المنطقة المنزوعة السلاح.

من جهتهما، تأثّرت فرنسا وخصوصاً ألمانيا بموجات اللاجئين التي وصلت إلى أوروبا بسبب الحرب السوريّة فاختلّ توازن القوى السياسيّ الداخليّ في برلين مع وصول "البديل لأجل ألمانيا" إلى البوندستاغ كما سجّلت الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة حضوراً بارزاً أيضاً لليمين المتطرّف. لذلك، تحتاج هاتان الدولتان إلى إنهاء النزاع الدائر في سوريا لما فيه من انعكاسات إيجابيّة على الاستقرار السياسيّ داخل مجتمعاتهما. وللمفارقة، سيمكّن إنهاء الصراع في سوريا من تخفيض عدد اللاجئين المتوجّهين إلى أوروبا عبر البوّابة التركيّة ممّا يجعل ألمانيا في وضع أكثر توازناً مع تركيا التي هدّدت مراراً بفتح البوّابات أمام اللاجئين للعبور إلى أوروبا. في هذا السياق، أشار البيان الختاميّ إلى أهمّيّة "ضمان التحرّك السريع والآمن للمنظّمات الإنسانيّة ومن دون قيود عبر الأراضي السوريّة" كما إلى "ضرورة تهيئة الظروف التي تتيح العودة الطوعيّة والآمنة للّاجئين".

غموض حول اللجنة الدستوريّة

عُقدت القمّة بعد ساعات على سقوط سبعة قتلى في غارات للقوات السوريّة على محافظة إدلب وهي أكبر حصيلة منذ ما قبل سريان تطبيق اتّفاق سوتشي حتى. وطالب ماكرون نظيره الروسيّ بفرض "ضغط واضح جدّاً على النظام" من أجل "ضمان وقف دائم لإطلاق النار في إدلب". كذلك، جاء اجتماع رؤساء الدول الأربع بعدما قال موفد الأمم المتّحدة إلى #سوريا ستيفان دي ميستورا إنّ #دمشق رفضت اختيار الأمم المتّحدة لثلث أعضاء هذه اللجنة. وكان المجتمعون قد دعوا في بيانهم إلى "تشكيل اللجنة الدستوريّة واجتماعها في جنيف قبل نهاية السنة في حال سمحت الظروف بذلك". ولا شكّ في أنّ هذه النقطة تحمل الكثير من الغموض إذ يتبقّى على المجتمعين تحديد ما هي "الظروف التي ستسمح أو لا تسمح" بتشكيل اللجنة.

وإذا كان ماكرون قد طلب من موسكو فرض ضغط على حليفها لضمان التهدئة في إدلب، فإنّه من غير الواضح ما إذا كان ماكرون أو إردوغان أو ميركل قد طلبوا من بوتين ضغطاً مماثلاً بغية تأسيس اللجنة الدستوريّة. لقد تحدّث الرئيس الروسيّ أمس عن "ضرورة إطلاق عمل اللجنة الدستوريّة في جنيف" لكنّه شدّد أيضاً على أنّ اللجنة يجب أن تتحلّى بالشرعيّة كشرط أساسيّ يسمح لها بإمكانيّة "أن تكون هذه البنية فعّالة ومثمرة". وكان الموفد الروسيّ إلى الأمم المتّحدة فاسيلي نيبينزيا قد أعلن خلال جلسة لمجلس الأمن الدوليّ حول سوريا يوم الجمعة "أنّه لا يوجد هناك أي أساس لوضع مواعيد مفتعلة لتشكيل اللجنة الدستوريّة ... ومن المستحيل فرضها بشروط تتعارض مع إرادة الأطراف السوريّة نفسها". وفي هذه المؤشّرات ما يدلّ إلى أنّ روسيا لا تزال على الأرجح غير مستعجلة لتشكيل تلك اللجنة قبل أن تحصل على تنازلات غربيّة بالمقابل.

فرصة على الأقل

في جميع الأحوال، يبقى واقع أنّه لم يتمّ عقد آمال كبيرة على قمّة اسطنبول وهذا ما أعلنه مسؤولون و محلّلون على حدّ سواء حتى قبل انعقادها. لكنّ الآمال الضئيلة لا تعني انتفاء الفرصة التي يمكن للأطراف انتهازها، وهذا على الأرجح ما فعله المسؤولون خلال القمّة. وكان ذلك ما أوضحه رئيس المجلس الروسيّ للشؤون الدوليّة أندري كورتونوف في حديث إلى صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" الأميركيّة إذ لم يستبعد أن تهيّئ هذه الدول الأرضيّة لمزيد من المحادثات المستقبليّة حول سوريا. وأضاف: "هذا واحد من مجالات قليلة جداً حيث بإمكان روسيا ولاعبين أوروبيين كبار، إن لم يكن إلغاء، إذاً تضييق الفجوة بينهم".

قد لا يطول الوقت كثيراً قبل معرفة ما إذا كان كورتونوف مصيباً أم مخطئاً في توقّعاته...