رحلة من صوفر الى الماضي مع الفنان توم يونغ

نضال مجدلاني

هذه المرة، اسمحوا لي أن أنطلق من مقالي السابق عن النزهة الواقعية في بلدة صوفر لأخذكم في قفزة خيالية عبر الزمن في ذات البلدة، علّها تكون عبرة لمن اعتبر وجسراً دائماً يؤدي إلى الحفاظ على سلامنا وحضارتنا.




فلنسافر في الخيال إلى عالم كان حقيقة في يوم من الأيام، لم تشهده الأكثرية منّا، ولكن قرأنا وسمعنا عنه. عالم جسده لنا الفنان البريطاني توم يونغ بإبداع وشغف، شغف الانتماء إلى الأرض وحضارتها حتى لو لم يكن ينتمي أصلاً إلى هذه الأرض. وهو ليس الأول الذي أعطى كل ما لديه في مهمة، أقلّ ما نقول إنها راقية "بحربها" السلمية والجمالية لإيقاظ الضمير والحث على المحافظة على جذور حضارتنا وتراثنا قبل محوها من ذاكرتنا وذاكرة الأجيال اللاحقة. وقد نقل في هذه المقتطعات من الرسومات وغيرها من لوحاته التي عُرضت في فندق صوفر الكبير، ما قلّ ودلّ عن الفترة الذهبية التي شهدتها صوفر ولبنان بالإجمال في فترة ما قبل الحرب.



سابقاً، أعطى العالم الراهب موترد 33 سنة من عمره لدرس نباتات لبنان واكتشف البعض النادر منها وأهداها إلى متحف جنيف للتاريخ الطبيعي. وترك الناسك الكولومبي العالم، جاعلاً من وادي قاديشا صومعة له لمدة تقارب العشرين سنة حتّى الآن.


كُثُر هم الأجانب الذين أحّبوا بلدنا وقدّروا معطياته على جميع الأصعدة، والفنان توم يونغ ليس استثناء. هو الذي شعر مع مصائبنا وغضب لمأساتنا، فقدِم إلى لبنان بعد حرب الـ 2006 ليعقد ورش عمل مع الأطفال في المناطق المتضررة، وهو الذي أمضى وقته بعد ذلك متنقلاً بين موطنه ولبنان، إلى أن عاد واستقرّ فيه قائلاً: "إن استعادة شيء قد ضاع، كان دائمًا جزءًا من تجربتي مع لبنان". واللافت ما جسّدته ريشته من تفاصيل ذلك الزمن الضائع كأنّه كان شاهداً عليه ومتأثراً به ليرسّخ في ذاكرتنا صورة لبنان الحضارة والسياحة والفن والثقافة وملتقى الأفرقاء كافة.



ما لفتني وشدّني إلى لقائه، إلى جانب موهبته الخارقة، هو صرخته، من خلال أعماله الفنّية ونشاطاته على الأرض، للمحافظة على إرثنا المعماري التقليدي والذي يشكّل هاجسًا لي وللبعض من الناشطين في هذا المجال، وكلنّا أمل في القدرة على أن نوقف الاجتياح المعماري الحديث على حساب بيوتنا القديمة التي يجب أن تُحفظ وتُصنّف.


كُتب الكثير عن هذا الفنّان وخاصة بعد قيام معرضه في فندق صوفر الكبير، ولست بوارد أن اُعيد سرد الأخبار المتداولة لمنع التكرار، ولكن نظراً لما شعرت به من خلال حديثي معه من حماسة وصدق وشغف لأرضنا وقلق على ما تبقّى من إرثنا، قرّرت أن أمضي بعض الوقت في هذا المعرض أتأمّل اللوحات، ولكني انتهيت بما هو أكثر من ذلك. كان لافتاً تأمل ردّات فعل الزائرين من الكبار والصغار والمتفاوتة بين الدهشة لجمال اللوحات التي تنقل صورة زمن ولّى، والنوستالجيا للمعمّرين من الزائرين، إلى الصدمة من هول الحرب والخراب الحاصل لما كان يُعتبر من أجمل وأفخم فنادق الشرق الأوسط يوماً.


بعض التفاصيل لما خلّفته الحرب من بصمات ههنا






إلى الصغار، ومن أهّم منهم في هكذا إطار، حيث البعض لم يفهم ما يرى والدهشة تخبر عن صدمتهم، والآخر متشبّث بيد الأهل مع العلم أنّه مكان مغلق لا خوف من الضياع فيه!




وإلى دراسة تفاصيل اللوحات والرجوع بالذاكرة لمن هم أكبر عمراً




هكذا أحيا الفن هذا الفندق المهجور حيث توافد آلاف الناس وضجّت الصحافة المحلّية والعالميّة بنقله



وهكذا يغلق أبوابه الآن، ليعاود فتحها في الربيع المقبل كمركز ثقافي



وكلنا أمل أن تُشغل بيوتنا التقليدية إمّا بالسكن من جديد بعد التأهيل، وإما بتحويلها إلى مراكز ثقافية آملين أن نكون أخذنا العبرة بأنّ الحرب الداخلية لن تؤذي أحد سوانا، والنهوض من بعدها مهمّة شاقة وتتطلب وقتاً، لكن ليست مستحيلة كما برهنّا للعالم.


وحتّى لقائنا المقبل, يمكنكم متابعة تجوالي عبر الـ stories على صفحتي في انستغرام

وفي فايسبوك على هذا الرابط (اضغط هنا)

وعلى تويتر، كذلك يمكنكم تصفح المدوّنة الخاصة على الرابط التالي: (اضغط هنا)