ذوو حاجات خاصة ومصابون يائسون... ولا أمل لهم إلا بالله

طرابلس- رولا حميد

قد لا تكون مغالاة إذا قلنا إن الاحداث الامنية فاقمت حالات الفقر وذوي الحاجات الخاصة في معظم احياء طرابلس ما عدا نسبة ضئيلة في الاحياء الثرية، تضاف الى الازمة الاقتصادية العامة لتفاقم المشكلة، بشكل مأسوي.

من السهل العثور على حالات الفقر بمراتبه المختلفة، خصوصاً منه الفقر المدقع حيث يغيب المدخول عن عائلة بكاملها. ومن السهل العثور على إعاقات مختلفة.

من الأحياء التي اصيبت عميقا جراء الاحداث، حي بعل الدراويش، نقطة الالتقاء بين جبل محسن وباب التبانة.

في هذا الحي ينتشر فقر عام مدقع، ولأنه خط تماس مباشر وقريب بين المتخاصمين، فقد أصيب كثيرون من سكانه بأضرار بالغة، إن جسديا أم ماديا.



شلل وبطالة

في أحد هذه المنازل، تقيم السيدة رندا جندل، أرملة منذ عشر سنوات، وابنها من ذوي الحاجات الخاصة، تبدأ حديثها لـ"النهار" متسائلة من أين تبدأ، تعبيراً عن حجم المأساة، والشكوى. تقول بين التساؤل والشكوى: “ماذا أذكر، لأذكر؟! عندي ابنتان، وهذا الصبي. الابنتان متزوجتان بعيدا عني. ليس لدي من ينظر إلي إلا الله. توفي زوجي منذ زمن بعيد. وعندي هذا الشاب الذي كان "يقع بالساعة" (حالة صرع)، وتطورت حالته ولم يكن صغيرا، بل كبيرا في العمر، وتفاقمت حاله. عنده مشاكل كهرباء في رأسه”.

وقالت بالعامية: "صارو يدقو ببعضهم، ويعملولو مشاكل". كأنها تلقنت حالته، وترددها ببساطة وعفوية، دون أن تكون الإشارات دليلا على حالة طبية علمية معينة، أو معروفة.

تضيف: "يقع في الأرض، ويفرفر. نقلناه إلى أحد الأطباء المختصين. عملوا له سكانر. وجدوا ان الكهرباء تدق ببعضها"، بحسب عباراتها.

وتتابع ذاكرة أن الطبيب وصف له عدة أدوية عليه تناولها بصورة دائمة، متسائلة: “لكن من أين لي أن آتي له دائما بالدواء وليس لي معيل، ولا مدخول"؟

بعد وفاة زوجها، تقول رندا إن أحد عاملي الخير في المنطقة سجل ابنها في مستوصف يقع في منطقة الزاهرية، وهو المستوصف "الحميدي"، يؤمن الدواء لابنها، وتقول: “هذا المستوصف ساعدني كثيرا، ولولاه لا أستطيع تأمين الدواء لابني، ولم أكن لأعرف ماذا حل به لولا ذلك".

تزوجت رندا منذ خمسين عاما، كما قالت، وكان عمرها ثمانية عشر عاما، تؤكد أن لا أحد لديها يعمل، فهذا الشاب عاجز عن الحركة والكلام، وتفيد أن أحد الخيرين يخصها بثلاثين ألف ليرة كل شهر، وأن تاجراً في المنطقة خصص لها خمسين الفاً، وترد على سؤال عن الكيفية التي تعيش بها: “الله معيشني. وهناك بعض الخيرين خصصوني ببعض المال، ومن هنا عشرة، ومن هناك عشرة أخرى، والله بيدبرها".



أحد التجار أحسن لها ببراد وغسالة. وعند سؤالها عما تطلبه، ترد بعفوية: “لا أريد إلا سلامتك". ثم تستدرك قائلة: “أطلب أن يستقبلوني عندما أذهب إلى المستشفى لأن ابني كثيرا ما يحتاج لدخول مستشفى، وهذا أمر صعب علي، وقلما أستطيع تلبية حاجته. وبالنسبة لنفسي، أخاف ان يصيبني مكروه، ولا أستطيع دخول المستشفى. كل ما أريده عند حاجتنا، أن تستقبلنا المستشفى، ولا اريد غير ذلك”.

أضافت: “اتمنى أن يساعدني أحد بتأمين إيجار البيت وهو 150 الف ليرة شهريا، والمبلغ يكسر ظهري شهريا، وبدلا من تأمين المأكل والدواء، أتعذب لتأمين الإيجار، وإلا صرت أنا وابني في الشارع دون أن يسأل أحد عنا".

إصابة

الشاب محمود خالد صهيوني، مواليد ١٩٨٦، اصيب برصاصة في ظهره، في تبادل إطلاق النار بين جبل محسن وباب التبانة، فأصيب بشلل من منتصف جسمه نزولا حتى أخمصيه بصورة تامة ولم يعد يقوى على الحراك، كما روى لـ "النهار"، "لكن مشيئة الله تدخلت، واعادت إلي بعض قوة، وقدرة على الحركة البطيئة”، كما قال.

تحدث عن طفولته، ودخوله المدرسة حيث بقي فيها حتى الصف الرابع الابتدائي، و"بسبب اوضاعنا لم نكن نستطيع استكمال مدارسنا وعلمنا. تركت المدرسة لأشتغل في منشرة، لكن النجارة لا تطعم خبزا كـ "شغيل"، وصرت بحاجة لعمل يدخر لي بعض المال، لكي أستأجر بيتا، فاقتنيت مصبات قهوة، ونزلت إلى الشارع، وعملت قهوجيا جوالا"، كما قال.

تزوج محمود في الثامنة عشرة من عمره، وله ثلاثة أبناء، يذكر أنه بعد زواجه، وقعت أحداث جبل محسن-باب التبانة سنة 2012، فاحترق بيته، وأعاد ترميمه، وفي فترة وقف لإطلاق النار، يقول محمود: "أصبت بطلقة قنص، خرقت خاصرتي من اليمين إلى اليسار، أدت إلى شلل كامل في الأطراف، وعولجت في بيروت، واستعدت بعضا من قوتي. لكن الشلل بقي في صعوبة الحركة، والتبول، والتبرز، ولا اشعر بشيء، وركبوا لي جهازا برجلي، ومن دونه لا أستطيع الحركة البتة”.

تابع روايته: “لم أعد استطيع العمل على المصبات التي تحتاج لتنقل مع حمل باليدين، والوضع يزداد صعوبة، والأوجاع تتزايد. وقيل لي ان لا حل لي لأن الرصاصة التي اصابتني قطعت العصب"، ويقول بتعبيره الخاص: "يحدث ذلك رطوبة في الجسم، تؤدي إلى وجع 24 على 24، وعجز الأطباء عن معالجتي، ولم يبق لي إلا الدواء الذي تعود جسمي عليه. والبقية على الله، وعايشين والحمد لله".



ويشكو من تردي الأوضاع التي انعكست على قدرة الآخرين على مساعدته، ويفيد: "أطالب دولتي بحقي من الإغاثة التي أكلت حقي، وقالت إن وزارة الصحة قدمت لنا الطبابة، فعن أي مساعدة يتحدثون؟ أنا دفعت فارق القطعة المعدنية في ظهري، والبراغي الستة، وفارق المستشفى. ويتساءل: “كيف تعتبر إصابة حرب، والوزارة طببتنا، ونحن ندفع كل تلك الأموال؟ اقول لا، الوزارة ما حكمتنا”.

وختم: "أطالب الدولة بحقي من الإغاثة، وإذا أمنت لي هذا الحق، فلا أريد شيئا من أحد، علني بذلك أستطيع أن أفتح مصلحة صغيرة تعيلني في حياتي".