"أطوار العمران" معرضاً لحوار فني بين حياة الحضارات في طرابلس

ياسمينا رضا

يطرح مشروع "أطوار العمران" الفني الذي ينظمه كلٌّ من "بيروت متحف للفن"BeMA ومنصة STUDIOCUR/Art، في قلعة سان جيل ومعرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس، ابتداء من اليوم السبت، قضايا فلسفية ومعمارية واجتماعية حول التقدّم والانهيار، ويغوص في التفكر والتأمل في حياة الحضارات وموتها.




المشروع الذي أطلقت فكرته ونفّذته، القيّمة الفنية كارينا الحلو، يستوحي أعماله الثمانية عشر من أهمية عجلة الزمن واندثار الحضارات وأطوار العمران في الموقعين. وهو يأخذ في الاعتبار حالة معرض رشيد كرامي الذي غاب عن ذاكرة التأريخ المعماري الحديث للبنان، ويسعى الى البحث في المفاهيم الكونية للأطزار والدورات الطبيعية والتاريخية.

يقدم "أطوار العمران" ١٨ مشروعاً، بينها أعمال أنجزها فنّانون مشهورون عالمياً من لبنان والمكسيك، ويستمر إلى ٢٣ تشرين الأول، وهو يأتي تتويجاً لـ ١٨ شهراً من العمل شملت تبادلاً ثقافياً بين لبنان والمكسيك إضافة الى إقاماتٍ فنية متبادلة بين البلدين، ما أتاح تشارك وجهات النظر والمقاربات حول موضوع المعرض.

المشاركون إدغاردو أراغون، علي شرّي، جوزي دافيلا، جوانا حاجي توما وخليل جريج، لمياء جريج، فريتزيا إيريزار، جورج منديز بلايك، داميان أورتيغا، مروان رشماوي، غبريال ريكو، ستيفاني سعادة، روي سماحة، جلال توفيق، وزاد ملتقى (معرض رشيد كرامي الدولي)، وريان ثابت، هايغ إيفازيان، إيمانويل توفار، وبابلو دافيلا في قلعة طرابلس التاريخية.

الهدف من تنظيم المعرض هو الدفع في اتجاه التفكير في واقع الانسانية في عصرنا، بعد أعوام من أوهام التقدّم التي تنذر بالانهيار في حال استمرار وتيرة الافراط في الانتاج، إضافة إلى إحياء مشروعٍ معماريّ شكّل رمزاً مثالياً ومُنطلقاً لبلدٍ جديد. كما تكمن أهميته في الإضاءة على الدور الحيوي للفنّ، في كونه مساحةً للتلاقي بين الأفراد والمجتمعات والثقافات، وترجمة الأفكار وقائع اجتماعية مترابطة.

هناك برنامج ثقافي موازٍ للمعرض، من أهم نشاطاته مؤتمر بعنوان "معرض أوسكار نيميير في طرابلس: إرث حديث في خطر"، ينعقد في متحف سرسق في 27 أيلول، ويتحدث فيه فارس الدحداح المتخصص في الهندسة الحديثة وعضو مؤسسة نيميير، والمهندس اللبناني الشهير برنار خوري. إضافة الى ورشة عمل متخصصة في جامعة العزم في طرابلس حول مفاهيم لويس براغان المعمارية يقدمها المهندس خوان بالومار.

يُشار إلى أنّ هياكل معرض رشيد كرامي الدولي المؤلفة من ١٤ بناءً، شُيِّدت جزئياً في العام ١٩٧٤ قبل أن تعوق الحرب الأهلية اللبنانية عملية استكمالها، ويُعتبر المكان أحد أهم رموز البناء الهندسي المعاصر في الشرق الأوسط، لكونه ينتمي الى نزعة معمارية تجديدية خلال ستينات القرن العشرين.

يكشف معرض "أطوار العمران"، الحوار الدائر بين هياكل معرض رشيد كرامي الدولي وقلعة طرابلس الأثرية، في دلالةٍ على التناغم بين التاريخ والحداثة، وبين التعاقب الزمني وأطوار العمران. من الأعمال اللافتة، عمل بعنوان "مكتوم" للفنان إدغاردو أراغون. يتناول "ميوت" (Mute)، قصّة مُغَنّي الراپ الطرابلسيين الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتيّة ولا جوازات سفر بسبب أخطاء في النظام، ويسلّط الضوء على الانشطار الحاصل بين حضور صوتهم وغياب وضعهم القانوني. يأخذ المشروع من "الجناح اللبناني" موقعاً لحدوثه، ويتألف من نزهةٍ داخل حفلٍ غنائيٍّ لا ترافقه الآلات الموسيقيّة (a capella)، يستمع فيه الجمهور إلى مُغَنّي الراپ من دون رؤية وجوههم. إن القرار الذي اتّخذه الفنان بعدم إظهار المغنّين يُعيد إلى ذهن الجمهور، التَّناقض والتَّعارض الكامن في حياة هؤلاء المؤَدّين. يشمل المشروع أيضاً تجهيز فيديو لا يظهر إلا ظلّ المُغنّية الأنثى الوحيدة بين المجموعة، معكوساً على جدار قلعة طرابلس الأثريّة وهي تغنّي ضمن جوقة. يذكّر ظِلُّها بأن ما يريده الفنان هو إعلاء صوت المرأة فوق كلّ الأصوات. يتماهى هذا كلّه مع ألعاب الضوء والظِّل والرموز والتنبؤات المتصلة بحلول دورةٍ جديدة لدى ثقافات الشعوب المكسيكية ما قبل الغزو الإسباني.

مروان رشماوي صمّم قبة على شكل أشهر الابنية في معرض رشيد كرامي. إن إعادة إنتاج رشماوي للقبة، يجعل هذا الصرح تمثالاً. من خلال استعمال مادة الراتينج الصمغيّة (resin)، تصبح الهندسة الداخليّة للقبّة مرئية، أو ما كان من المفترض أن يكون مسرحاً تجريبياً. يعمل رشماوي منذ سنواتٍ عديدة على موضوع الأماكن العامة والمعالم الهندسيّة في بيروت. في طرابلس، يفتح تجهيز رشماوي القبّةَ للجمهور فيكشف عن بنيتها، كونها البناء الوحيد المُقفَل بين جميع منشآت المعرض.

يستكشف روي سماحة في تجهيز بصري "لفحة شمس" قصصاً ونوادر من الطفولة كانت تُسمَعُ حول إحدى الشقَق التي كان يسكنها زوجان غريبَي الأطوار حتى العام 1989، وهو عام اندلاع عاصفة شمسيّة كبيرة. اشتبه بعض الناس بأن يكونا عميلين سرِّيَين، وبعضهم بأنهما مجرد مُشَعوِذَين من موجة العصر الجديد. يتناول العمل العلاقة بين طبقات التاريخ والأحداث الطبيعيّة الاستثنائيّة وتشفير اللغات عند الأقدمين وكيف تؤثّر دورات الشمس الحراريّة غير المتوقَّعة على المجال المغناطيسي للأرض، وكيف ينعكس هذا التأثير على الإرسال اللاسلكي والاتصالات والإدراك على نطاق واسع.