هل تهاجم روسيا قاعدة التنف الأميركيّة؟

مع تعزيز نظام الرئيس السوريّ بشار #الأسد سيطرته على الأراضي السوريّة، كانت موسكو تراكم مزيداً من النفوذ إزاء غريمتها التقليديّة. برز ذلك كأحد عوامل الثقة المكتسبة لدى الروس في التفاوض مع الأميركيّين بما يساهم في عدم استغراب الخبر الذي أوردته "سي أن أن" نقلاً عن مسؤولين في واشنطن. في أيّار الماضي، أشارت تقارير إلى أنّ مساعد وزير الخارجيّة الأميركيّ دايفد ساترفيلد اقترح تفكيك قاعدة التنف كجزء من المفاوضات مع الروس لتخفيف التوتّر في جنوب غرب سوريا. لكنّ ساترفيلد عاد ونفى بشكل قاطع خلال شهادة أمام الكونغرس، خبر أن يكون قد تقدّم باقتراح كهذا.


هوجمت في السابق

إنّ الوتيرة السريعة التي تعمل من خلالها روسيا على استعادة مناطق خفض التصعيد تظهر تصميماً على أنّها عاجلاً أم آجلاً ستطرح مصير قاعدة التنف على طاولة البحث بغضّ النظر عمّا إذا كان الأميركيّون قد بادروا أوّلاً إلى التفاوض حولها. منذ أيّار 2017، تعرّضت التنف على الأقلّ لثلاث خروقات أمنيّة من قبل قوّات إيرانيّة وسوريّة قبل أن تردّ قوّات التحالف عليها. ففي حزيران من السنة نفسها مثلاً، قال مسؤول أميركيّ رفض الكشف عن اسمه لوكالة "رويترز" إنّ طائرة أميركيّة من دون طيّار شنّت هجوماً على قافلة من دبابة ومدفع وأسلحة مضادّة للطيران وأكثر من 60 جنديّاً حاولوا اختراق تلك المنطقة. وأعلن التحالف حينها أنّ ذلك تمّ بعد عدد من الإنذارات مشيراً إلى أنّه لا يسعى لمهاجمة قوات النظام لكنّه مستعدّ للدفاع عن نفسه.


إنذار أميركيّ مضاد

تُعتبر التنف صلة وصل أساسيّة على الجسر البرّي الذي تطمح إليه إيران كي يربطها بالمتوسّط. لذلك تُعدّ السيطرة عليه هدفاً استراتيجيّاً لطهران على المدى البعيد. ويؤمّن تطوّر كهذا المزيد من النفوذ لموسكو في مواجهة واشنطن. لهذا السبب، يملك الروس والإيرانيّون هدفاً مشتركاً في هذا المجال. بالمقابل، تريد الولايات المتّحدة قطع هذا الجسر بحسب ما تقوله الإدارة الأميركيّة. حتى وقت قريب، بدت مؤشّرات وجود خطّة لتنفيذ ذلك ضبابيّة. لكن منذ أيّام حمل جزء من المشهد بعض التغيّرات.

في 7 أيلول، أعلن البنتاغون عن قيادة تدريبات داخل التنف لمواجهة داعش. جاءت تلك التدريبات في اليوم نفسه الذي نشرت "سي أن أن" تقريرها حيث نقلت قلقاً لدى مسؤولين أميركيّين من إمكانيّة استخدام روسيا مقاتلات أو سفناً لتنفيذ ضرباتها ضدّ هؤلاء المقاتلين. وهذه الضربات قد تطال الأميركيّين في حال غياب دقّتها.

رفض المسؤولون الأميركيّون إخبار "سي أن أن" الطريقة التي أوصلوا من خلالها تحذيرهم إلى واشنطن، لكنّ أحدهم قال: "لقد نصحناهم بالتأكيد أن يبقوا خارج التنف". هل هذا يعني أنّ التدريبات التي تحدّث عنها البنتاغون قد تكون هادفة عمليّاً إلى مواجهة الروس أيضاً؟


تعزيزات ... ورسالة

يوم الجمعة الماضي، أشارت صحيفة "لوس أنجيليس تايمس" إلى أنّ واشنطن أرسلت 100 عنصر من "المارينز" إلى قاعدة التنف. في الوقت نفسه، قال الناطق باسم القيادة المركزيّة الأميركيّة الكولونيل إيرل براون إنّ روسيا أبلغت الولايات المتّحدة في 1 أيلول من خلال خطّ فضّ الاشتباك أنّ قوّات روسيّة وسوريّة وقوّات أخرى حليفة لها نوت الدخول إلى التنف لملاحقة إرهابيي داعش.

كلام براون جاء في حديث إلى موقع "بيزنس إنسايدر" الذي رأى أنّ تلك التدريبات توجه رسالة واضحة للروس مفادها أنّ الولايات المتّحدة ليست بحاجة للمساعدة كي تضرب الإرهابيّين. ونفى براون الاتّهامات الروسيّة بأنّ واشنطن تؤوي إرهابيّين في التنف مضيفاً: "الولايات المتّحدة لا تسعى لمحاربة الروس، حكومة سوريا أو أي مجموعات قد تؤمّن الدعم لسوريا في الحرب الأهليّة السوريّة. ومع ذلك، لن تتردّد الولايات المتّحدة في استخدام القوّة الضروريّة والمتناسبة للدفاع عن الولايات المتّحدة، التحالف أو قوات شريكة كما أظهرنا ذلك بوضوح في مناسبات سابقة".


احتمالان

قد يكون التهديد الروسيّ مجرّد اختبار نوايا تقوم به موسكو من أجل استكشاف مدى تشبّث الأميركيّين بقاعدتهم في المستقبل القريب. لكنّه بالمقابل قد يكون تهديداً بالغ الجدّيّة. يصف الكاتب السياسيّ في مجلّة "واشنطن أكزامينر" طوم روغان أنّ قيام روسيا بمهاجمة التنف لن يكون "جنونيّاً جدّاً". بالنسبة إليه، يجهد بوتين كي تكون بلاده العنصر الخارجيّ الوحيد الذي يحدّد مستقبل سوريا وبالتالي العنصر الوحيد الذي على الدول الأخرى التعامل معه: "سيفعل بوتين كلّ ما يعتقد (أنّه يصبّ) في مصلحته، إذا كان يعتقد أنّه بإمكانه فعل ذلك من دون أن يعاني من أكلاف باهظة".

لكن بحسب الكاتب نفسه، قد يكون هنالك سوء تقدير من قبل الكرملين لو اتّخذ خطوة كهذه: "هنالك خطر كبير في اعتقاد بوتين أنّه يملك مجالاً واسعاً لمواجهة موقع أميركا في سوريا".