إدلب في مجلس الأمن... مؤشّر في سياق تحوّل أميركيّ استراتيجيّ؟

على الضفّة الأخرى، أظهرت #واشنطن جدّيّة في تحذيرها من استخدام السلاح الكيميائيّ في #إدلب. وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض ساره ساندرز في بيان إنّه "لو اختار الرئيس بشّار الأسد مجدّداً استخدام السلاح الكيميائيّ فالولايات المتّحدة وحلفاؤها سيردّون سريعاً وبشكل مناسب". لكن في ما عدا ذلك، بقي الموقف الأميركيّ والغربيّ بشكل عام أقرب إلى المراقبة منه إلى اتّخاذ أيّ خطوات عمليّة. في هذا الإطار برز كلام لافت لسفيرة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هالي يوم الثلاثاء: "إذا أراد (#الأسد وحلفاؤه) مواصلة الطريق للسيطرة على #سوريا، فبإمكانهم فعل ذلك، لكنّهم لا يستطيعون فعله بالأسلحة الكيميائيّة". كان لهذا الكلام وقع مؤكّد للأجواء الدوليّة والأميركيّة السائدة والمتحفّظة على أيّ تدخّل عسكريّ وحتى سياسيّ في سوريا طالما أنّ العمليّة العسكريّة لم تلجأ للأسلحة المحظورة دوليّاً.


أين الجدوى؟

جاءت الدعوة الأميركيّة لعقد الجلسة مثيرة لتساؤلات عدّة. عمل الروس منذ بدء تدخّلهم العسكريّ في سوريا على استخدام حقّ النقض ضدّ العقوبات التي حاول مجلس الأمن فرضها على الحكومة السوريّة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الصين التي تبنّت موقفاً مشابهاً للروس في غالبيّة المناسبات. ومن غير المتوقّع أن تغيّر الدولتان نهجهما في جلسة اليوم. بالمقابل، أنشأ الروس مساراً موازياً لجنيف من أجل سحب أيّ إمكانيّة غربيّة في التوصّل إلى حلّ سياسيّ. لذلك، وطالما أنّ الحلول الأمميّة متعثّرة، يمكن أن تُطرح علامات استفهام على جدوى التحرّك الأميركيّ بمجرّد أن تكون خاتمة المساعي معروفة سلفاً. وبما أنّ روسيا وإيران وتركيا تتمتّع بالنفوذ الأكبر داخل سوريا، من المرجّح أن يتجسّد القرار الحقيقيّ في قمّة طهران أوّلاً وآخراً.


"غضب"

بالرغم من ذلك، برزت مؤشّرات مختلفة تدلّ إلى إمكانيّة أن يكون هنالك بداية تحوّل في الموقف الأميركيّ. على سبيل المثال، بعد كلام هالي يوم الثلاثاء، عادت يوم أمس الخميس في جلسة لمجلس الأمن خُصّصت للبحث في استخدام الأسلحة الكيميائيّة لتعديل موقفها السابق بشكل طفيف: "جلسة مجلس الأمن اليوم مخصّصة للأسلحة الكيميائيّة – لكن لا تخطئوا، إنّ #هجوماً للأسد على إدلب سيكون تصعيداً متهوّراً حتى ولو لم تُستخدم الأسلحة الكيميائيّة. على روسيا منع حدوث ذلك". جاء هذا الكلام بعد يوم واحد على تحذير آخر لترامب أعلن فيه أنّ "العالم وأميركا يراقبان الأوضاع في إدلب عن كثب، وإذا حصلت مجرزة، فإنّ الولايات المتّحدة ستغضب كثيراً". ربّما يكون كلام هالي وترامب قد حمل في اليومين الماضين بعض التشدّد النسبيّ. لكن عمليّاً لم توضح السفيرة الأميركيّة ما إذا كانت بلادها ستردّ على "التصعيد المتهوّر" ولم يقل ترامب كيف ستترجم الولايات المتّحدة "غضبها".



مؤشّرات توتّر أخرى برزت خلال أقلّ من أسبوع. واصلت واشنطن ضغطها على حكومة دمشق عبر فرضها أمس مجموعة عقوبات على شركات متّهمة بالتوسّط بين داعش والنظام السوريّ. وخلال بضعة أيّام، حذّرت روسيا الجيش الأميركيّ مرّتين، كانت الثانية يوم الأربعاء، من أنّ القوات السوريّة والروسيّة مستعدّة لمهاجمة منطقة #التنف. وبحسب مراسلة شبكة "سي أن أن" باربرا ستار، قال الروس إنّ هنالك مقاتلين داخل المنطقة ويريدون الدخول إليها لإخراجهم من هناك. ووفقاً لموقع "ذا واشنطن فري بيكون"، قامت مقاتلتان أميركيّتان من طراز "أف-22" باعتراض قاذفتي القنابل الروسيّتين "تو-95" بالقرب من منطقة تحديد الدفاع الجوّي في ألاسكا. وقع الحادث يوم السبت الماضي، وشمل إبعاد هاتين القاذفتين الملقّبتين ب "الدب" والقادرتين على إلقاء قنابل نوويّة.




إن كانت هذه المؤشّرات - إضافة إلى أخرى سبقتها - غير مترابطة بالضرورة، فبعض التقارير الصادرة من واشنطن كفيل بجذب الانتباه أكثر إلى الخطوات الأميركيّة المستقبليّة. منذ بضع ساعات، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً لكارن دي يونغ، أشار إلى أنّ ترامب وافق على استراتيجيّة جديدة تقوم على تمديد - بلا سقف زمنيّ - للجهد العسكريّ في سوريا وإطلاق حملة ديبلوماسية لتحقيق الأهداف الأميركيّة وفقاً لمسؤولين بارزين في وزارة الخارجيّة. وأعادت الإدارة تحديد أهدافها لتتضمّن إخراج جميع القوات الإيرانية ووكلائها وإنشاء حكومة مستقرّة وغير مهدّدة ومقبولة لدى جميع السوريين والمجتمع الدوليّ كما جاء في الصحيفة. وتوضح أنّ معظم التغيير هذا ينبثق من التشكيك المتنامي بقدرة روسيا ورغبتها في المساعدة على إخراج #إيران من سوريا.


الاختبار الأول

ترى دي يونغ أنّ إدلب قد تكون أوّل اختبار للسياسة الجديدة. جايمس جيفري، الممثل الأميركي الخاص للشؤون السوريّة والمعيّن حديثاً، قال للصحيفة ردّاً على سؤال حول إمكانيّة الردّ على أيّ هجوم على إدلب، مع أو بدون استخدام للسلاح الكيميائيّ: "لقد طلبنا مراراً السماح للعمل" و "ذلك قد يكون أسلوباً واحداً" من أساليب الردّ.





انطلاقاً من هنا، قد لا يكون أمام الأميركيّين فرصة جدّيّة لتعديل موازين القوى في سوريا خلال اجتماع مجلس الأمن اليوم. لكنّ الإطار العام لانعقاد الجلسة يظهر مجموعة مؤشرات قد تفيد فعلاً بحصول تحوّل أميركيّ شبه استراتيجيّ في النظرة إلى سوريا على المدى البعيد.