في المسرح كما الحياة..."أنت سيّد نفسك"

"الحياة مسرح وكلنا ممثلون" قالها شكسبير وتتطابق مع مقولة زينة دكاش: "أنا مخرج حياتي وأنا من يقرّر الأدوار على المسرح"، فحولت دكاش الحائزة شهادة ماجستير في علم النفس السريري والعلاج بالدراما دواءً وتدعو كل من يعاني من حالة نفسية ولا يزال غير متقبّل لفكرة اللجوء إلى طبيب متخصص أن يذهب إلى أسلوب ممتع من خلال العلاج بالدراما.

وعبر مؤسستها "المركز اللبناني للعلاج بالدراما - كثارسيس" أنجزت دكاش مشروعين كبيرين، وتتحدث بفخر عما نجحت في تحقيقه لنزلاء مستشفى الفنار للامراض العقلية والنفسية والعصبية الذين يعانون سكيزوفرينيا ومرضاً ثنائي القطب واكتئاباً. على مدى ثلاث سنوات، كانت تتوجّه دكاش مرتين أسبوعياً مع فريق العمل المتخصص لهذه المهمة في جلسة مدتها 45 دقيقة آخذين في الاعتبار وضع هؤلاء لجهة تناولهم الدواء وحالتهم النفسية".

لا تطلب دكاش شهادة حياة لأحد المرضى لأنّها ترجمتها في عمل مسرحي بعنوان "من كل عقلي" أبطالها المرضى الذين أبدعوا في عرض يتيم على خشبة مسرح المدينة في بيروت. ونجحت في كسر الصمت الكئيب الذي كان مسيطراً على المشاركين، وتوضح: "لمن يعاني صعوبة في معرفة ماذا يشعر، نستخدم معهم العلاج بالدراما عبر تقديم الدليل لإرشادهم إلى كيفية التعبير من خلال تمارين تجريبية وعملية كالرسم ولعب أدوار تمثيلية ورواية قصص عن طفولتهم. تجربتي معهم "بتاخد العقل"، وبعد 3 سنوات من العمل المتواصل معهم، حققنا نتائج أكثر من رائعة انعكست في شكل أساسي على علاقتهم مع بعضهم بعدما كانت في الأساس معدومة".

كيف العلاج بالدراما؟ "لا نقدّم الدواء، نستخدم طرق المسرح وتقنياته ونفتح المجال لمن يجد صعوبة في التعبير بالكلام خصوصاً الفئة الشبابية بعد انعدام طرق التعبير" تقول دكاش، لافتة إلى أن "عدداً كبيراً من الذين لجأوا إلى العلاج بالدراما سبق أن توجهوا إلى أطباء نفسيين ولم يحققوا التقدم المرجو".

المشروع الأكبر بالنسبة إلى دكاش كان بين عامي 2015- 2016 بدعم من الاتحاد الأوروبي مع سجناء رومية الذين يعانون أمراضاً نفسية، عبر مشروع قانون للمرضى لا سيّما أننا في لبنان ما زال أحد بنود قانون العقوبات ينص على أنّ "كل مجنون أو معتوه او ممسوس ارتكب جرماً يبقى في السجن إلى حين الشفاء". وتعلّق: "قدّمنا مشروع قانون لتغيير التسمية وطلبنا من وزارة الصحة التدخل لمعالجة هؤلاء داخل سجونهم بدلاً من الاهمال النفسي المرافق لهم. 11 عاماً من العمل في هذا المجال، لو لم نلمس تقدماً في حالة المساجين لما كنا نحقق التقدم ونجحنا في تحقيق نظرة أمل ليست سوداوية".

حالات نفسية مضطربة فانتحار

دكاش عملت كثيراً مع أشخاص فكروا بالانتحار، خصوصاً ممن يعانون الاكتئاب ومرضاً ثنائي القطب، وتشير إلى أن العلاج بالدراما ليس بديلاً من الدواء او الطبيب، هو أحد الطرق العلاجية التي توصلنا إلى نتيجة نسمع فيها صوت المريض هاتفاً بعد صمت: "أنا سيد حياتي وليس أي أحد في العالم. أنا أقرر الدور الذي يجب ان يدخل إلى المسرح ومتى يخرج".

أما رسالة دكاش لكل من حلّ الظلام في دنياه: "الحياة هدية، مررنا بظروف ولعبنا فيها أدواراً معينة وأمامنا عدد من السنوات نعيشها على الأرض. قد تكون هذه الدنيا ظلمتني ولعبت فيها دور الضحية. يجب أن لا تتوقف عند هذا الحد، عليك ان تبحث عن أدوار حياتية جديدة لترى ماذا يمكنك ان تقدم فيها، لأن كل دور سيأخذك إلى مكان ما". ولكل مكتئب تقول: "حسناً، هذا الدور لعبته حتى الآخر ورأيت إلى أين يمكن ان ينقلك، حان الوقت لتطلب المساعدة وتقول: أنا سيد نفسي، أستطيع أن أغامر وأؤدي دوراً جديداً".

كيف ينظر الطب إلى العلاج بالدراما؟

الاختصاصية في علم النفس ريما بجاني اعتبرت أنّ العلاج بالدراما لحالات نفسية معيّنة يمكن أن يفلح كجانب "تنفيس نفسي يلجأ فيه المريض إلى الفنون (الموسيقى، الرسم، المسرح...) وتستطيع أن تحقق الإفادة المرجوّة إذا عُرف كيفية توظيفها لتجنب الاصابة بمرض نفسي". بجاني تلفت إلى "أنّ التجاوب مع هذه الطرق العلاجية يتم عادة بالتوازي مع الدواء ومتابعة علاجية طبية، وبالتالي لا يمكن التعميم في هذا الشق"، مضيفة أنّ ب"عض الحالات التي تخشى الانفتاح ولا تشعر بالارتياح حتى مع نفسها من المستبعد ان تتخذ خيار العلاج بالدراما. وبالتالي تتحقق النتيجة المرجوة في هذا الإطار عندما يبدي المريض رغبته في تلقي العلاج، من دون أنّ ننسى ان الطبع والشخصية يضطلعان بدور كبير في مدى الاستجابة". أما في الحالات التي وصلت إلى مرحلة نفسية متقدّمة، فإنّ العلاج بالدراما قد يحقق نتيجة سطحية ولكن ليس على المدى الطويل: "لن نستطيع ان نخرق الحالة في العمق".

وحتى لا نصل إلى نتائج لا تحمد عقباها، تنصح بجاني الأهل إلى التنبّه لطريقة تربية أولادهم: "كلمة واحدة قد تحدث ثغرة في شخصية أولادكم فتتراكم المشاعر النفسية السلبية وتدفع بالبعض منهم إلى عدم الراحة ذاتياً وترداد مقولة :"لا أحد يسمعني". كما حضّت بجاني كل من يشعر بعدم الراحة إلى اللجوء إلى الطريق العلمية: "ليس عيباً، لا تدفعوا بأنفسكم إلى حالة نفسية معقّدة، ما تخبّوا، ما تخافوا، إحكوا".