لبنان ليس موجوداً. إذن فلنُوجِده!

قرأتُ مقالاً بالفرنسية عنوانه le liban n existe pas (لبنان ليس موجوداً) يشرح فيه كاتبه الأسباب والموجبات التي تثبت وجهة نظره، فيقدّم بالوقائع، الأدلّة والبراهين التي يعرفها القاصي والداني، والتي يُستخلَص منها أن لا وجود للبنان هذا، المحلوم به دولةً للحقّ والعدل والمساواة والقانون والدستور والحرية والديموقراطية، ودولةً للمواطن. 

كاتب المقال، معه حقٌّ مئة في المئة. وخصوصاً لأنه يدعم رأيه هذا، بما لا يمكن تكذيبه ودحضه، لا من حيث ممارسة سيادة الدولة على ذاتها، ولا من حيث كيفية تولّي السلطة والحكم، ولا من حيث سقوط الطبقة السياسية، ولا من حيث فساد الإدارة، ولا من حيث انعدام المواطنية، لصالح المناطقية والعائلية والزبائنية والتبعية والطائفية والمذهبية والتشرذم والانقسام. وإلى آخره.

لا جدال في أن الكاتب مصيبٌ في الوصف، وفي التوصيف، وفي الاستنتاج على السواء.

فإذا أردتُ أن أذهب مذهب الكاتب، كمواطنٍ يعيش هذا الواقع، فليس عليَّ، والحال هذه، سوى أن أختار بين ثلاثة:

- إما أن أقبل بهذا الواقع وأتعايش معه "بالتي هي أحسن"، منحازاً إلى التغاضي والتفادي والتقيّة واللامبالاة، على غرار جماعات "الحيطيست"، الذين يختارون التلطّي بالحيطان.

- وإما أن أرفض هذا الواقع رفضاً سلبياً، فأكتفي بتسليم الراية، وإعلان اليأس، بقاءً أو هجرةً.

- وإما أن أرفض هذا الواقع – واقع أن لبنان ليس موجوداً – فأعمل على إيجاده.

سأفترض حسن النيّة، متفهّماً أن يكون كاتب المقال قد اختار ما اختاره، وقرّر ما قرّره، و"حكم" على لبنان بعدم الانوجاد الموضوعي، في ضوء المعطيات المتوافرة لديه. وفي ضوء خبراته وتجاربه وقدراته على التحمّل. فضلاً عن قراءته للتاريخ اللبناني، التي لا بدّ أن تكون قد أملتْ عليه مجتمعةً، اتخاذ هذا الموقف.

أعرف تماماً ناساً كُثُراً، أوادم، يشبهون الكاتب، ويحذون حذوه.

أنا أحترمه، وأحترمهم، وإنْ كنتُ لا أوافق على هذا الخيار.

"لبنان ليس موجوداً". مظبوط. إنه مُلغى. ممحوّ. مصادَر. مسجون تحت سابع أرض.

شخصياً، لا أريد أن أتغاضى عن هذه الحقيقة الحقيقية جداً. لا أريد أن أتفاداها. لا أريد أن أمشي مع الحائط حيالها.

لكني في المقابل، شخصياً، أيضاً، أريد أن أبقى في لبنان، هذا الذي ليس موجوداً، بحسب رأي الكاتب.

شخصياً، أيضاً، لا أريد أن أغادر لبنان، أن أهاجره، أن أهجره، هذا الذي ليس موجوداً، بحسب رأي الكاتب.

خياري أن أبقى في لبنان. لكن، لا لكي أجرجر حياتي وأيامي وكرامتي وأولادي.

خياري أن أبقى في لبنان. لكي أُوجِد لبنان.

هذه "مهمة مستحيلة". Mission impossible.

لكن، من الاستخفاف والتسرّع بمكانٍ، أن تُعيَّر هذه "المهمّة المستحيلة" بالرومنطيقية الساذجة.

أعرف تماماً، وبالتفاصيل، وبالوقائع، "استحالة" هذا الخيار، خيار البقاء "الإيجابي" في لبنان، في ضوء المعطيات العسكرية والأمنية والسياسية والمجتمعية والطائفية والمذهبية، التي "تمنع" وجود هذا اللبنان.

لكني أختار هذه "الاستحالة" بالذات.

لبنان المستحيل إيجاده، أريد أن أُوجِده.

هذه هي "المرجلة" الحقيقية الوحيدة، التي ينبغي لي (لنا) أن "أتمرجل" فيها، حيال "استحالة" وجود لبنان.

وإذا من "بطولة"، بعدُ، في زمن سقوط البطولات، فهي هذه البطولة بالذات!

ليست المسألة مسألةً شخصيةً على الإطلاق.

أعني أنها لا تخصّني أنا وحدي بالذات.

هي تخصّ كلّ مَن يريد وجود لبنان الدولة!

"المرجلة" هي هذه. وهي بطولةٌ بامتياز!

akl.awit@annahar.com.lb