نجارو الغوطة الشرقية ينفضون الغبار عن "مدينة المفروشات"

ينفض أبو سليمان الغبار عن الألواح الخشبية ويمسح بيديه على قطع غرفة نوم غير مكتملة كان يصنعها لابنه، بعدما رفع للمرة الأولى منذ سنوات الستار الحديدي عن ورشته للنجارة في سقبا المعروفة بـ"مدينة المفروشات" في الغوطة الشرقية قرب #دمشق. 

في العام 2012، ومع دخول #الغوطة_الشرقية في دوامة النزاع المسلح ثم الحصار المحكم، وجد أبو سليمان نفسه مضطراً لإقفال ورشته، فلم يعد هناك زبائن ولم يعد بالإمكان إرسال البضائع إلى المحافظات الأخرى كما اقتضت العادة.
لكنه اليوم، يقدم على خطوة أجلها كثيراً. 

ينظر الرجل (53 عاماً)، الذي كسى الشيب شعره، إلى الستار الحديدي لورشته والقلق باد على وجهه قبل أن يخطو إلى الأمام ويفك القفل بعد أربعة أشهر على استعادة الجيش السوري السيطرة على الغوطة الشرقية، ليجد غرفة النوم، التي كان يصنعها لابنه، مكانها وقد كساها التراب.

ويقول "بدأت بصناعة غرفة النوم لابني سليمان قبل ثماني سنوات (...) لم أكملها، أنتظر عودته لنكملها سويّة، وأقدّمها هدية في زفافه".

قبل بدء النزاع، كانت الغوطة الشرقية وتحديداً مدينة سقبا تُعرف بأنها مصنع المفروشات الأبرز في سوريا، ففيها أفضل ورشات النجارة التي كانت ترسل منتجاتها إلى دمشق وكامل أنحاء البلاد.

وكان يقصدها، بحسب ما يقول النجارون فيها، تجّار من لبنان والعراق والأردن والخليج وحتى قبرص.

إلا أن القصف والمعارك أجبرت الكثير من المحال على إقفال أبوابها، ومع إحكام الحصار أكثر وأكثر على الغوطة الشرقية وعدم توفر كافة المواد وارتفاع الأسعار، عمد بعض السكان ومنهم أصحاب ورشات النجارة إلى حرق مفروشاتهم للتدفئة في أيام الشتاء أو بيعها قِطعاً لهذه الغاية.

ويقول أبو سليمان "فكّرتُ كثيراً أن أحضر بعض الخشب وأحرقه، لكنّي كنت أتراجع في كل مرة أصلُ فيها إلى باب الورشة، وأعودُ أدراجي".

يتجمع جيرانه من أصحاب الورشات أمام محله يراقبونه وهو يتفحص تفاصيله، يجد المسامير الأخيرة التي استخدمها قبل سنوات في مكانها، ويتأمل في تقويم قديم لا يزال معلقاً على الحائط منذ العام 2011.

 


يفتخرُ يوسف القابوني بقطع الأثاث التي صنعها قبل ثماني سنوات ولا تزال صامدة في ورشته "البيت المثالي" في وسط سقبا. ينقرُ على باب إحدى الخزائن، ثم يبتسم بعدما تأكّد أن الخشب لا يزال على حاله صلباً.

ويقولُ القابوني (50 عاماً) "أعمل في هذه المهنة منذ كان عُمري عشرة أعوام، لكنّنا توقّفنا عن العمل بشكل كامل طيلة سنوات الحرب، والآن أستعدّ للبدء مُجدّداً".

تتطاير نشارة الخشب أمام وجه أبو نادر أثناء انهماكه بإصلاح أحد الأبواب، ترتسم ابتسامة على وجهه ويتذكر سنوات الحصار "كنتُ أستوقفُ الناس الذين يحملون قطع أثاثهم ليقصّوها ويجعلوها حطباً، وأرجوهم ألا يفعلوا ذلك (..) كنتُ أشعرُ أن كل قطعة خشب صنعتها بيدي هي قطعة من قلبي".

في شارع لا يغيب عنه مشهد الدمار، يعلو صوت المطارق من ورشات النجارة المنتشرة على جانبيه، بعضها بدأ بالعمل تدريجياً وأخرى ينهمك أصحابها بإصلاحها وبوضع الأبواب بأمل العودة قريباً.

افتتح عبيد (46 عاماً) ورشته مؤخراً بمساعدة ابنه علاء الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر .

وبرغم غياب الزبائن وقلّة الطلب، يبدو متفائلاً ويصر على تعليم ابنه "سر المهنة"ويقول "هذه مهنة المستقبل، الجميع يريد أن يعيد بناء بيته وترميم نوافذه وأبوابه".

ويضيف "سيكثر الطلب على النجّارين خلال فترة إعادة الإعمار. نحن نستعدّ الآن لتلك المرحلة".