هل يتدخّل بوتين لصالح الديموقراطيّين في الانتخابات النصفيّة؟

من جهة ثانية، أفاد أكثر من استطلاع رأي محلّي أنّ غالبيّة الأميركيّين وجدت أداء ترامب في هلسينكي سيّئاً، علماً أنّها أجريت بعد توضيح وجهة نظره. وهذا لا يعني غياب الرضا عن سياسات البيت الأبيض وحسب بل أيضاً ازدياد المشاعر السلبيّة تجاه الرئيس الروسيّ فلاديمير #بوتين. يضاف إلى ذلك أنّ الأخير، وردّاً على سؤال بشأن التحقيقات التي يجريها روبرت مولر عن التدخّل الروسيّ في الانتخابات الأميركيّة، وافق على التعاون مع أعضاء من لجنة التحقيق التابعة له، بشرط السماح لدولته بالتحقيق مع أميركيّين تنظر إليهم روسيا بعين الريبة.


اعتراض شامل

بناء على ذلك، لم تهدأ عاصفة الانتقادات الأميركيّة مع مطالبة #موسكو بالتحقيق مع السفير الأميركيّ السابق إلى روسيا مايكل ماكفول. وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض ساره ساندرز عن هذا المطلب إنّه "كان مقترحاً قدّمه بصدق الرئيس بوتين، لكنّ الرئيس ترامب لا يوافق عليه".


وأكّد وزير الخارجيّة مايك #بومبيو أنّ هذا الأمر لن يحصل. أتى ذلك، بعدما أعلنت ساندرز الأربعاء الماضي أنّه "كان هنالك بعض المحادثات" حول المطلب لكن لم يتمّ تقديم أيّ التزام بهذا الشأن. كان ذلك كافياً وحده لخلق موجة غضب داخل الولايات المتّحدة، كما أطلق هذا المقترح اعتراضاً من الحزبين داخل الكونغرس. وتحدّى السيناتور الجمهوريّ ليندسي غراهام الأميركيّين كي يجدوا مشرّعاً واحداً يوافق على هذه الفكرة. وطالب ماكفول الإدارة والرئيس الأميركيّ بالدفاع عنه في وجه "مضايقات" بوتين لأنّه لا يستطيع وحده القيام بهذا الأمر.


من هو الاسم الذي ذكره بوتين؟

حين كان الرئيس الروسيّ يعرض مقترحه في هلسينكي، ذكر اسماً آخر ممّن تودّ دولته استجوابهم: "يمكننا أن نحضر السيّد (ويليام) براودر. لقد كسب شركاء أعماله أكثر من 1.5 مليار دولار في روسيا ... لقد تمّ تحويلها إلى الولايات المتّحدة. أرسلوا كميات هائلة من الأموال، 400 مليون دولار إلى حملة هيلاري كلينتون. حسناً هذه مسألتهم الشخصيّة. ربّما كانت قانونيّة – المساهمة نفسها، لكنّ الطريقة التي تمّ كسب المال من خلالها لم تكن قانونيّة. لذلك لدينا سبب قويّ للاعتقاد بأنّ بعض ضبّاط الاستخبارات رافق ووجّه هذه العمليّات الماليّة، من هنا، لدينا مصلحة في استجوابهم. قد تكون هذه خطوة أولى، ويمكننا أيضاً أن نوسّعها".


براودر بين الفرحة والخوف

وكما فعل ترامب في مسألة تصحيح سوء لفظه في هلسينكي، كذلك، أعلن ناطق باسم الحكومة الروسيّة أنّ بوتين قصد تبرّع مقرّبين من براودر بمبلغ 400 ألف لا 400 مليون دولار، بحسب ما أفاد به موقع "ذي انترسبت". في جميع الأحوال، ربّما قلّة فقط وافقت على توصيف ترامب لهذا المقترح بأنّه "عرض لا يُصدّق". استخدام بوتين لاسم براودر وتمويله لمنافسته هيلاري كلينتون كان له وقع جيّد على مسامع ترامب. لكنّ الرئيس الروسيّ قلّما أبدى اهتماماً بهذه الزاوية من النقاش.



فويليام – بيل – براودر في نهاية المطاف هو من أطلق حملة ضغط لتمرير قانون ماغنيتسكي سنة 2012 لمعاقبة مسؤولين روس بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان. وبعدما سمع ذكر اسمه على لسان بوتين، أعرب براودر عن سروره قائلاً خلال مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركيّة إنّ ما يظهره هذا هو أنّ دفاعه عن قانون ماغنيتسكي الذي تمّ تمريره في سبع دول "أصاب كعب أخيليس (مقتل) نظام بوتين". لكنّه أعلن لاحقاً في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" أنّ تسليمه لبوتين يعني "تسليمه للموت".


لماذا التدخّل لصالح الديموقراطيّين؟

تطالب روسيا بالتحقيق مع عدد من المسؤولين الأميركيّين في مقابل التعاون مع مولر. ومع أنّ قسماً كبيراً من هؤلاء المسؤولين الأمنيّين والسياسيّين مرتبط بالعمل على قانون ماغنيتسكي أو مقرّب من الإدارة الديموقراطيّة السابقة، فإنّ هذا لن يعني بالضرورة أن ينحصر القلق الأميركي في احتمال تدخّل روسيا لصالح الجمهوريّين بعد أشهر. على العكس من ذلك، يرى غاريت غراف في مجلّة "بوليتيكو" أنّ هنالك "دليلاً جيوسياسيّاً قويّاً حول أنّ تعزيز الديموقراطيّين سيكون استراتيجيّة ذكيّة للاعب أجنبيّ هذا الخريف".



بالنسبة إلى غراف، إنّ "هدف بوتين ليس - ولم يكن مطلقاً – مساعدة الحزب الجمهوريّ، أقلّه على المدى البعيد". وأضاف أنّ دعم حملة ترامب لم يكن غاية بوتين بل إضعاف الغرب واستغلال الانقسامات داخله لتقويض "شرعيّتنا وموقفنا الأخلاقيّ". ولفت النظر أيضاً إلى موقف المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيديراليّ جاميس كومي الذي قال: "لا يتعلّق الأمر بالجمهوريّين أو الديموقراطيّين. إنّهم يسعون خلف أميركا ... يريدون تقويض مصداقيّتنا أمام العالم ... نبقى تلك المدينة المنيرة على التلّة ويكرهون ذلك".

على عكس ترامب، لا يزال الكونغرس بحزبيه يرى أنّ روسيا خصم بارز للولايات المتّحدة، وتُقاسمه غالبيّة أعضاء الإدارة تلك النظرة. وبما أنّ واشنطن كلّها ستكون متأهّبة هذه المرّة لمواجهة أي محاولة روسيّة محتملة للتدخّل في الانتخابات النصفيّة، يصعب التنبّؤ بما إذا كانت روسيا تنوي فعلاً المخاطرة بتسليط الضوء عليها بغضّ النظر عن هويّة الحزب المستفيد. لكن بالمقابل، ستشكّل الانتخابات النصفيّة التي ستجري في ظلّ انقسام أميركيّ حادّ تربة خصبة قد تكون مؤاتية للاستغلال بهدف تعميق الاستقطاب. أربعة أشهر تفصل الأميركيّين عن معرفة ما تخطّطه موسكو بشأن انتخاباتهم النصفيّة.