اعترافات وزير بيئة سابق في لبنان

ليست الأزمات البيئية في لبنان وليدة ساعتها، بل إنها بمثابة حلقات تراكمية عمرها أكثر من عقدين من الزمن، في ظلّ استشراء مظاهر التعدي على البيئة. ولا شك في أن ارتباط البيئة بالسياسة، جعل منها أشبه بأسيرة مستضعفة، خلاصها مرتبط بأي خلاص سياسي. هذا الارتباط الوثيق بين المفهومين، يعبّر عنه لـ"النهار" وزير البيئة السابق محمد المشنوق، الذي كتب القدر ان تصطدم حقبته بأزمة النفايات التاريخية. يخرج المشنوق عن صمته، هو المعتزم كتابة إصدارٍ يروي فيه تجربته.

ويفنّد أبرز المعضلات التي تفتك بالواقع البيئي، والمرتبطة وثيقاً بالسياسة، والتي تكمن الحلول من خلال معالجتها.

وهي توالياً:

"- الموازنة: لا يعترف السياسيون بأهمية وزارة البيئة، ذلك أن موازنتها الأصغر ولا تعدو كونها موازنة رواتب. وتعتمد الوزارة على المساعدات المقدّمة من الدول المانحة لتمويل مشاريع محدّدة من شأنها الحدّ من تلوث الهواء والماء ودراسة أوضاع مكبات النفايات. ولا يمكن تاليا ايجاد حلول في ظلّ عدم توافر موازنات كافية للكشف على المخالفات البيئية، إذ تتفق الوزارة مع مؤسسات تطوّع تأخذ على عاتقها الكشف عن المخالفات وهذا أمر غير منطقي. يضاف الى ذلك أزمة النزوح السوري التي بلغت 756 مليون دولار خسائر. وتبلغ موازنة الوزارة ما يقارب الأربعة ملايين دولار. أما وزارة البيئة في الحكومة الأوروبية، فتصدر عنها أهم القرارات الصارمة التي يلتزم تطبيقها جميع الساسة الأوروبيين، ذلك أن البيئة ليست قضية سياسية بقدر ما هي قضية وطنية.



- الوعي البيئي: يعاني لبنان أزمة وعي بيئي. إذ تستحدث مكبات النفايات وترمى فيها القمامة في ظلّ ظروف غير بيئية ومن دون تطبيق قواعد الهرم البيئي.

- التدخل السياسي: لا شك في أن الجوّ السياسي في أكثريته المطلقة متورط في الأزمات البيئية. ويحتكم السياسيون الى استراتيجيات تقوم على تأجيل اعتماد الحلول الجذرية للمشاكل البيئية. ومن الأمثلة، عدم الموافقة على مناقصات تلزيم النفايات التي كنت قد فعلتها بشفافية كاملة إبان ازمة النفايات التي ضربت البلد، متذرعين بضرورة لفظ نتائج المناقصات سياسياً.

وتتمتع الشركات التي فازت بالمناقصات حينذاك بالكفاءة، إلا أن المشكلة تمثلت في تصنيف الفائزين في المناقصات سياسياً وتمحيص انتمائهم السياسي وما إذا كانوا يتبعون لزعماء المناطق. مع العلم أن الذين فازوا في المناقصات يتصفون بشفافية في العمل، ولا يتبعون أحدا سياسياً. ورفض الوزراء نتائج المناقصات رغم أن كلفتها أدنى من كلفة "سوكلين"، واعتبروا أن التلزيم لا يمكن ان يمر بطريقة مماثلة. وبعد النقاش، شكروني على جهودي وأوقفوا المناقصات وانسحبت من الجلسة.

من هنا، لا يمكن تنزيه القوى السياسية عن مشاكل البيئة. وما نشتكي منه هو القرار السياسي في قضايا البيئة. ولعلّ اتخاذ وزير البيئة طارق الخطيب قرارا بافتتاح موسم الصيد، هو أصدق الأمثلة. إذ لا يمكن الاحتكام الى قرار مماثل في بلد يضمّ 300 ألف صيّاد وبندقية، 9 آلاف منهم فقط مرخّص لهم. ولا بد تاليا من توحيد القرار السياسي، بما يساهم في تفعيل دور الجمعيات البيئية العاجزة والتي تعمد الى إصدار البيانات الشهرية.



ولا يغيب عن الظن الدعم السياسي لاصحاب المخالفات البيئية. ويشمل الدعم أصحاب المولدات الكهربائية وقاطعي الاشجار والكسارات والرمول. ويشمل الدعم زعماء المناطق المخالفين لأنهم يدفعون الأموال، ولا تستطيع وزارة البيئة التدخل لمنع المخالفات في ظل سيطرة المناخ السياسي المتفلّت. ولا يستطيع المحافظ شيئاً في ظل أجواء مماثلة.

- "حيتان الوزارة": يواجه وزير البيئة عراقيل من أحد الموظفين الكبار في الوزارة، ذلك أنه لا يعمل. واشتكى ثلاثة وزراء سابقين من الموظف نفسه وبعثوا في حقه مذكرات وملفات للتفتيش المركزي. وعندما قابلت الموظف في حقبتي الوزارية، وسألته عن سبب تقاعسه واصطدامه مع جميع رؤساء المصالح والدوائر، أجاب بأنه يعمل بطريقة مماثلة. وإذ قطع الموظف نفسه وعداً بالإصلاح، إلا أن شيئا لم يتغير. ويقال إنه محسوب سياسيا على حزب الطاشناق، رغم أن الحزب طالب بإزاحته لمصلحة موظف جديد، إلا أنه بقي في مركزه. من هنا، لا يمكن تحميل وزير البيئة مسؤولية مطلقة عن أداء الوزارة".



وإذا كانت السياسة العدو الاكبر للبئية في لبنان، فإنها تتحوّل سيفا ذا حدّين في رأي الخبير البيئي بول ابي راشد، الذي كان قد دخل غمار عالم السياسة في ترشحه للانتخابات. ويقول أبي راشد لـ"النهار" إنه "للمرة الأولى بعد انفجار أزمة النفايات، يحدث ربط بين السياسة والبيئة، ومن الخطأ أن نعتبر أننا ما زلنا في مكاننا. ترشّح عدد كبير من الناشطين البيئيين للإنتخابات فقط لأن لديهم برنامجا ورؤية بيئية، وهذا ما يحصل للمرة الأولى في لبنان. ولم ينته العمل الديموقراطي الانتخابي يوم انتهاء العملية الانتخابية. يمكن كلّ لحظة أن تحدث ثورة، وهناك العديد من الثورات الصغيرة التي تحدث راهناً على نطاق مناطقي. ولا يزال الهجوم المقابل قويا في ظل سلاحي المال والسلطة، ومحاولة تفشيل معامل فرز النفايات مستمرة، ولكن المارد المدني يستيقظ"... فهل يأتي خلاص البيئة على يد السياسة؟