تحليل ظاهرة الشائعات في مصر... أغراضها خبيثة وانتشارها بحُسن نية؟

مروة فتحي

تعيش مصر خلال الفترة الأخيرة حرب شائعات لا مثيل لها، ما جعل هذه الظاهرة محل دراسات عدّة، ففي البرلمان المصري تم تناولها، في برامج التوك شو والفضائيات جرى التطرق إليها أيضاً.

ولن ينتهي تناول هذه الظاهرة بالبحث والتحليل والتدقيق وكشف الأسباب وطرح الحلول، في ظل تنامي الشائعات واستمرارها في مصر.

خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، ووفقاً لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، شهد المجتمع المصري نحو 53 ألف شائعة، وفي يوم واحد تم بث 118 شائعة مجهولة المصدر، بينما تم خلال هذه الفترة بث أكثر من 700 شائعة تتعلق بالجانب الحكومي، ومن أبرز الأمثلة على هذه الشائعات العثور على جثة 35 طفلاً في منطقة الشروق، استيراد أرز صيني بلاستيك، إضافة مادة للخبز تسبب العقم للحد من الكثافة السكانية بمصر، دخول الطلاب للمدارس بتذكرة يومية ثمنها جنيه مصري، فرض 150 جنيهاً رسوم على دفن الموتي، حذف عشوائي للمواطنين من بطاقات التموين، تأجيل تطبيق التأمين الصحي، فرض رسوم إجبارية على العمرة، زيادة أسعار تذاكر الطيران، إصدار ورقة نقدية بـ500 جنيه، إلغاء إجازة يوم السبت، نقل حديقة الحيوان بالجيزة للعاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها من الشائعات التي لا أساس لها من الصحة.

وتقول الدكتورة إيمان عبد الله أستاذة الصحة النفسية والظواهر الاجتماعية لـ"النهار" ان  "الشائعة هي الترويج لخبر لا أساس له من الواقع، أو المبالغة في سرد خبر يحتوي على جزء ضئيل من الحقيقة، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير في كل جوانب الحياة، فهي مثل كرة الثلج التي تتدحرج وفي أثناء تدحرجها يكبر حجمها، وتنتشر في الظروف الغامضة التي تتضارب فيها المعلومات، وتقل الثقة في مصادرها الرسمية، كما تنتشر في المجتمعات المتشابهة في الثقافة والعقيدة والعادات والتقاليد وطرق التفكير فنجدها منتشرة جداً في الريف، وقد ساعد على انتشارها وسائل الاتصال الحديثة التي تجعلها تنتشر على نطاق أوسع بين المجتمعات المختلفة، فيما يقل انتشارها في المجتمعات التي تفرض عقوبات على تداولها، وتنتشر بشكل كبير عندما تواكب ظروفاً ممهدة لأزمة اقتصادية أو أحداثاً سياسية أو حرباً عسكرية، وأيضاً ساعد على انتشارها محدودية اهتمام الأشخاص بالتأكد من صحة الأخبار وزيادة كمية المعلومات على السوشيال ميديا".

الفضول... فطرة

وأضافت عبدالله أن الشائعة تعبّر عن مكوّنات داخلية ونفسية واجتماعية للتواصل، حيث إن "في داخلنا فطرة الفضول وحب سماع الجديد والأخبار التي تهمنا وتكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحياتنا، وهي أسلحتها فتاكة وقوتها فيما تتضمنه من معلومات غير صحيحة وكاذبة تؤدي إلى البلبلة وزرع الشكوك وتعذّر صفو المناخ الاجتماعي".

أغراض خبيثة وحسن نية

وتابعت: "الشائعة من المنظور النفسي السيكولوجي هي أقوال أو أحاديث يخلقها البعض لأغراض خبيثة، ويتناقلها الناس بحسن نية، في شكل قصص وروايات وثرثرة، وهي قابلة للتصديق، وتسبب القلق والتوتر، كما أن لها أنواع عديدة منها شائعات الوهم، والتمويل، والعنف، والخوف والأمل، والكراهية، وقد زادت بنسبة كبيرة في الفترة الأخيرة، وكما تؤكد نظرية العالم كارل يونغ أن الإثارة العاطفية ضرورية لاستمرار حياة الشائعة التي تتعدد دوافع ترويجها ما بين جذب الانتباه، إذ يريد الفرد الناقل للشائعة أن يشعر بأن له مكانة عند الآخرين، والعدوان من خلال إيقاع الأذي بسامعها، ومن صور العدوان النكتة التي تعبّر عن خبر وتروّج له".

خطر على المجتمع

وتقول أستاذة الظواهر الاجتماعية إن الشائعة خطر شديد علي المجتمع، ومنذ خلق الإنسان توجد الشائعة بسبب الصراع بين البشر، كما تنقل بطريقة تكون مدمرة لأنها تحمل في طياتها الكراهية وتستخدم طرقاً بها ذكاء للوصول للناس بسرعة وتمس أحداثاً موجودة، فالناس كلها تريد أن تسمع أخباراً لكنها في الواقع تستهدف معنوياتنا، ويطلق على ذلك الحرب النفسية بأنواعها المختلفة وهي أشبه بالسحر الأسود لأنه ليس لها مصدر، ومن الممكن أن يتناقلها الأصدقاء أو وسائل الإعلام، فتؤثر على معنوياتنا، واستخدامها يكون للتمويه والتعتيم عن أشياء حقيقية فننشغل بأشياء ليست من الواقع، ما يؤدي إلى ضعف الإيمان ونشر الشر والخراب، كما تؤدي إلى أضرار صحية وصدمات نفسيه وضياع المصالح، وبالتالي يجب علينا أن نحذر ولا نخوض في الشائعات ولا نتبني نشرها ولا الإسهام في صناعتها لأنها ضارة على أمن المجتمع وتضعف الروح المعنوية مثل شائعة أن اللاعب محمد صلاح لن يلعب مع منتخب مصر في كأس العالم".

علم النفس لتحطيم المعنويات

وأشارت عبدالله إلى أن "هناك أساليب حديثة في علم النفس تخدم الشائعة والتأثير عليها نفسياً، فيتم الآن استخدام علم النفس لتحطيم المعنويات بدلا من استخدامه في راحة النفس، ونجد أن الشائعات تغزو المجتمع كله لأنها معدومة المصدر، وهي في الحقيقة وسيلة بدائية كانت تستخدم في القصص والأساطير والحكايات، وموجودة من القدم لكنها زادت في مصر في الآونة الأخيرة بسبب وسائل الاتصال الحديثة والسوشيال ميديا والأشياء التي ليس عليها رقابة".

سلوك عدواني

وتابعت أن الشائعة لها أثر كبير  على الأمن المجتمعي والنفسي، ويعتبرها العلماء سلوكاً عدوانياً ضد المجتمع، فإذا روّج لها فرد فهذا "دليل على أنه شخص سيكوباتي ولو هي ضد المجتمع فيدل على أن الجماعة التي تروج لها لديها عقد نفسية مترسبة في العقل الباطن، وهذا السلوك العدواني تنتج عنه أفعالا فيها نوع من الشذوذ في القول فتكون تصرفات الأفراد غريبة، فيها نوع من الخوف والفوضي، والشائعة هي عصب الحروب النفسية وكان يستخدمها هتلر في حروبه وتستهدف الفكر والعقيدة والروح لتضرب بمعنوياتنا وممتلكاتنا، فهي الجانب السلبي الكبير من العولمة ويجب ان يتريث الإعلام".

مقاومتها بالكشف عنها

وتقترح أستاذة الصحة النفسية والظواهر الاجتماعية أن "تكون هناك أرقام أو لينكات أو صفحات تكشف عن الشائعة لأنها كالنار التي تأكل كل ما هو أخضر، فمرور الشائعة بهذا الشكل مثل ترويج المخدر، فقد تصبح إدماناً يجب مكافحته لأن الناس تنتظر سماع أي خبر عن فلانة أو فلان".