قمّة بروكسيل... توتّر سياسيّ يبدّده ديبلوماسيّو واشنطن في الناتو؟

منذ خوضه لحملته الانتخابيّة، انتقد ترامب حلف الناتو بشدّة معتبراً أنّه "عفا عليه الزمن"، قبل أن يتراجع عن كلامه في نيسان 2017 حين استقبل الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في #واشنطن. واليوم تبدو الأوضاع وكأنّها اقتربت مجدّداً من نقطة الصفر، وقد طالب رئيس المجلس الأوروبّي دونالد توسك الرئيس الأميركيّ ب "تقدير" حلفائه.



وبينما أشارت مجلّة "إيكونوميست" البريطانيّة إلى توسّع الصدع بين الطرفين، يمكن لقمّة هلسينكي أن تساهم أكثر في زيادة الشرخ خصوصاً أنّ "تقدير" ترامب للزعماء الأوروبّيّين غير مضمون، بعكس ما هو الحال مع الرئيس الروسيّ فلاديمير #بوتين عموماً.


الكلفة على الأميركيّين ... مقاربة مزدوجة

إنّ نسب إنفاق دول الناتو على الميزانيّة الدفاعيّة تبيّن فعلاً وجود خلل كبير حيث تساهم الولايات المتّحدة اليوم بحوالي 22% من مجموع تكاليف الحلف. لكن بالمقابل، يساهم الناتو في تخفيف النفقات على واشنطن من نواحٍ أخرى. يشرح السفير الأميركي السابق إلى الناتو (2009 – 2013) إيفو دالدر أنّ ترامب محقّ في ما يطرحه لكنّ الأوروبيين يحسّنون مساهماتهم الماليّة للتخفيف من هذه المشكلة. وفي حديث إلى موقع "فوكس" الأميركيّ يرى أن الثمن الذي تدفعه واشنطن للناتو "صغير نسبيّاً"، لأنّه لولا وجود الحلف "لكان علينا أن ننفق أكثر على الدفاع بما أنّ دول الناتو الأوروبّيّة تدفع نفقة القواعد الأميركيّة واستضافة القوات الأميركيّة ولكان علينا أن ندفع الكثير من ذلك بأنفسنا". وأوضح أنّه لو انتهى هذا الحلف، فسيتوجّب على الأميركيّين دفع المليارات لإنشاء قواعد عسكريّة جديدة في الولايات المتّحدة لاستضافة الجنود الأميركيّين العائدين من هناك.


توقّع الأسوأ

صحيح أنّ الولايات المتّحدة تنفق أكثر من 3.5% من حجم ناتجها القوميّ على موازنة الناتو الدفاعيّة، لكنّ الخلل لا يكمن في المساهمات الماليّة بين واشنطن والدول الأوروبية في الحلف وحسب، إنّما أيضاً بين الدول الأوروبّيّة نفسها. ففي حين أنّ دولاً ذات قدرات ماليّة محدودة مثل اليونان تخصّص أكثر من 2% من ناتجها القوميّ للإنفاق الدفاعيّ، تخصّص قوة اقتصاديّة كبيرة مثل ألمانيا 1.22% للغرض نفسه. لكنّ طريقة تعامل الأوروبّيّن مع الخلل في مسألة الإنفاق تختلف عن تلك التي يعتمدها ترامب في هذا الموضوع. ومن بين 29 دولة عضواً في الحلف، لا تلتزم سوى خمسة فقط بالحصّة المفروضة عليها. في سياق مشابه، قد يكون إصرار ترامب على طرح الأمور من الزاوية الماليّة الخبر الأقلّ سوءاً من بين الأخبار التي يمكن أن يتوقّعها الأوروبيون. بحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة قد لا يأتي ترامب إلى القمّة كي يحثّ الدول الأعضاء على زيادة مساهمتها الدفاعيّة وحسب، بل يمكن أن يعلن تعليق بعض المناورات العسكريّة المشتركة.


سيناريو مشابه لما حصل الشهر الماضي؟

قد يكون هنالك ما يبرّر هذه المخاوف ربطاً بما حصل الشهر الماضي. فالتوتّر الذي ساد بين ترامب وزعماء مجموعة الدول السبع في كندا، سبق قمّة #سنغافورة مع الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ #أون. وبينما هاجم ترامب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أغدق المديح على كيم لاحقاً.



واليوم، يتوجّه ترامب إلى بروكسيل قبل عقد لقاء القمّة في هلسينكي الاثنين المقبل، مع احتمال أن يتكرّر سيناريو مشابه لما حصل في حزيران. وسبق لترامب أن تحدّث فعلاً عن أنّ اللقاء مع بوتين قد يكون "الأسهل" مقارنة بقمّة بروكسيل وزيارة لندن. والأهمّ أنّ الرئيس الأميركيّ ألغى مناورات عسكريّة مشتركة مع كوريا الجنوبيّة كان مزمعاً عقدها في آب، عقب اللقاء مع الزعيم الكوريّ الشماليّ. بذلك، لن يكون مستبعداً تماماً اتّخاذ ترامب خطوات مشابهة أكان في بروكسيل أم لاحقاً خلال أو بعد قمّة #هلسينكي.


"قوّة ووحدة"

على الرغم من كلّ المخاوف المرتبطة بما قد يعلنه ترامب في القمّة، يقول سفير أميركيّ آخر إلى الحلف (2013 – 2017) دوغلاس ليوت ل "الغارديان" إنّ الناتو هو معاهدة وقّع عليها ثلثا أعضاء الكونغرس الأميركيّ وأيّ تغيير في وضع واشنطن داخل الحلف يتطلّب المسار نفسه، وبالتالي "لا يمكن للرئيس ترامب أو أي رئيس – التوقيع ببساطة على إبعاد أميركا عن واجب (تنصّ عليه) معاهدة. هذا سيتطلّب قانوناً من الكونغرس".



قد لا يحجب هذا التطمين النسبيّ مشاكل أخرى تعترض العلاقة العابرة للأطلسيّ داخل الناتو، إذ لا تكفي قيود الدستور الأميركيّ كي تهدّئ مخاوف الأوروبّيّين. إنّ إيقافاً محتملاً للمناورات أو غموضاً في موقف واشنطن إزاء الحدود الشرقيّة لأوروبّا كافيان وحدهما لاستمرار مباعث القلق. يضاف إلى ذلك أنّ ترامب، وبالكاد وصل إلى بروكسيل، وصف ألمانيا ب "أسيرة روسيا" لأنّها تشتري الطاقة منها. ومع ذلك، قالت السفيرة الحاليّة إلى الحلف كاي بايلي هاتشيسون أمام مجموعة من المراسلين إنّ "الموضوع العام لهذه القمّة سيكون القوّة والوحدة".

مخرجات القمّة غداً ستحدّد ما إذا كانت السفيرة الحاليّة محقّة في تفاؤلها هذا.