ما الأسباب التي تجعل نسبة الخرف مرتفعة في لبنان؟

ملاك مكي

"يعتبر معدّل انتشار الخرف"dementia" في لبنان مرتفعا. ويسّجل المرض انتشارا أكبر بثلاثة أضعاف عند النساء من الرجال، وعند الأشخاص الذين لا يتمتّعون بمستوى تعليمي جيد أو الذين لا يمتلكون علاقات اجتماعية كثيرة من الذين يتمتعون بمستوى ثقافي وتعليمي عال وبحياة اجتماعية نشطة"، تقول استاذة علم الوبائيات في كلية العلوم الصحيّة في "الجامعة الأميركية في بيروت" الدكتورة مونيك شعيا.  

يصيب الخرف المتقدّمين في العمر خصوصا بعد عمر الـ65 عاما. ويشكّل الخرف تدهورًا تدريجيًّا في وظائف الدماغ، ما يؤدي الى اضطرابات في القدرات الادراكية ومنها: الذاكرة، اللغة، التعلّم، تنفيذ المهام، الادراك الاجتماعي وما يؤثر على استقلالية الشخص وقدرته على الاعتناء بنفسه والقيام بالأمور اليومية الحياتية. تتعدد أسباب الخرف من مرض الالزهايمر الذي يسبّب نسبة ستين في المئة من حالات الخرف، أو التعرّض الى تجلطات في الأوعية الدموية وغيرها من الأمراض التي قد تؤدي الى ظهور الخرف. ولا تتوافر، حتى اليوم، علاجات واضحة ومثبتة للوقاية من المرض او للعلاج منه في حال الاصابة.

انتشار الخرف في لبنان


يسجل اقليم الشرق المتوسط وشمال افريقيا ( EMRO) ارتفاعا في أعداد المصابين بالخرف من مليوني مصاب في العام 2015 الى أربعة ملايين في العام 2030، الى عشرة ملايين في العام 2050 أي بنسبة 329 في المئة، وذلك بسبب زيادة عدد الاشخاص المتقدّمين في العمر.

أما في لبنان، فقام فريق علمي، في العام 2017، باجراء الدراسة الأولى حول انتشار مرض الخرف والحصول على الرعاية الصحية. وضمّ الفريق العلمي الباحثين مونيك شعيا-سمير عطوي، خليل الأسمر، روز ماري خوري ، ليليان غندور، حسام غصن من الجامعة الأميركية في بيروت، وجورج كرم من "مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي-ادراك" وباحثين من الدنمارك وبريطانيا. وحصلت الدراسة على موافقة لجنة الأخلاقيات في "الجامعة الأميركية في بيروت".

شملت عينة البحث 502 شخصين من محافظتي بيروت وجبل لبنان تتجاوز أعمارهم الـ65 عاما. وهدف البحث الى دراسة انتشار الخرف عند هذه الفئة العمرية، وتقييم الحصول على الرعاية الصحية وكلفتها والحاجات التي يظهرها المصابون.

النساء أكثر من الرجال

بلغت نسبة انتشار الخرف، وفق الدراسة، 7.4 في المئة. فيقدّر، بالتالي، عدد المصابين بالخرف بلبنان بـ 29916 فرداً. وتشير شعيا إلى ان هذا المعدّل يعتبر مرتفعا، اذ تراوح نسبة انتشار الخرف في العالم بين 5 الى 8 في المئة فيقارب المعدّل في لبنان المعدّلات المرتفعة في العالم. وترتبط الأسباب بتزايد معدلات الشيخوخة واطالة أمد الحياة، وارتفاع عوامل الخطورة ومنها أمراض القلب والأوعية الدموية، التدخين، العوامل الوراثية وغيرها.

بعد عمر الـ65 عاما، يتضاعف خطر الاصابة بالمرض كلّ عشر سنوات. وينتشر الخرف في لبنان، وفق الدراسة، أكثر عند النساء (11%) مقارنة بالرجال (2.7 في المئة) اذ ان النساء تعيش أكثر من الرجال ما يعرّضهن أكثر للاصابة بالمرض.

عبء اقتصادي ونفسي


من جهة أخرى، تشرح شعيا أن نسبة انتشار الخرف سجّلت انخفاضا عند متقدمي العمر الذين يتمتعون بحياة اجتماعية جيدة، وبنشاطات فكرية وتعليمية مقارنة بالآخرين. تكشف الدراسات العلمية أن التمتّع بحياة اجتماعية نشطة يشكّل احد العوامل الرئيسية في الحفاظ على الصحة الجسدية والعقلية عند المتقدمين في العمر.

يعاني الأشخاص المصابون بالخرف، وفق الدراسة، من ارتفاع ضغط الدم (77 في المئة)، وامراض القلب (34 في المئة)، السكري (51 في المئة)، وغيرها من الأمراض المزمنة (50 في المئة).

تظهر الدراسة ان كلفة الحصول على الرعاية الصحيّة للمصابين بالخرف مرتفعة في لبنان. يتم استشارة الأطباء الخاصين أكثر من اللجوء الى قطاع الرعاية الصحية الأولية العام أو الى الأطباء في المستشفيات. ويشكّل المرض عبئا اقتصاديا، اجتماعيّا، ونفسيّا بالنسبة الى مقدّمي الرعاية الذين يهتمّون بالمريض. ويعاني لبنان قلة في عدد المؤسسات الصحيّة التي تقدّم الخدمات الصحيّة للمصابين.

تلحظ شعيا ارتفاع نسبة الاشخاص الذين يتجاوزون الـ 65 عاما في لبنان من 9.7 في المئة في العام 2013، الى 14.1 % في العام 2030، و23.3% في العام 2050 ما يوجب على السلطات اللبنانية الاهتمام أكثر بصحة المسنين وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية لهم.