تشريعات ضد "الأخبار الزائفة": حكومات تتذّرع لإسكات الصحافيّين

يتزايد عدد الصحافيين المسجونين بتهم مشكوك في صحتها، والتي توجهها اليهم حكومات بلدانهم. ويقول بعض الخبراء إن الأخبار الزائفة هي المسؤولة عن ذلك.


عام 2017، سُجِن ما لا يقل عن 21 صحافياً في 6 بلدان مختلفة بتهم تتعلق بأخبار زائفة، وفقاً لإحصاء رسمي أجرته "لجنة حماية الصحافيين". وهو ضعف العدد الذي تم تسجيله العام السابق. 


ويتزامن هذا الارتفاع مع تطبيق تشريعات حديثة في العديد من البلدان، بما في ذلك ماليزيا وروسيا والبرازيل وسنغافورة والفيليبين، تستهدف على وجه التحديد انتشار ما يسمى "الأخبار الزائفة". ويعتقد بعض الخبراء أن الاستخدام الواسع لهذا المصطلح في الولايات المتحدة جعله شعبيا على نطاق عالمي، الامر الذي أعطى حكومات أجنبية غطاء مناسبا لاسكات منتقديها.  

وتقول مديرة "لجنة حماية الصحافيين" كورتني رادش ان "خطاب الاخبار الزائفة له تأثير حقيقي على الصحافيين في جميع أنحاء العالم. وهو يؤدي واقعيا إلى سجن مراسلين، وطرد وسائل إعلام من البلاد". برصدها إقرار هذه القوانين، تجد "أنها تساهم في ما يطلق عليه الجميع بيئة ما بعد الحقيقة. وهذا مزعج للغاية".


عبارة "أخبار زائفة" إهانة غالبا ما تُلقَى، ويفضلها الرئيس الاميركي دونالد ترامب وحلفاؤه عند محاربة التغطية النقدية التي تجريها وسائل اعلام اميركية رئيسية حول إدارته، فيتم استخدامها بشأن كل شيء، من تقديرات حجم الحشد في ظهوره العلني، إلى شائعات حول اختلال البيت الابيض. عام 2017، كتب ترامب ما مجموعه 146 تغريدة تضمنت عبارة "أخبار زائفة" (Fake News). 


وقالت ليزلي ستال، وهي مراسلة برنامج "60 دقيقة"، إن ترامب أخبرها في مقابلة عام 2016 أنه هاجم وسائل الإعلام من أجل "تشويه سمعتكم جميعا والحطّ من قدركم جميعًا. وبالتالي عندما تكتبون عني قصصًا سلبية، لن يصدقكم أحد". 


وفي الوقت نفسه، أصدرت الهيئة التشريعية في ماليزيا قانونًا جديدًا في نيسان 2018 يجرّم نشر أخبار زائفة، وهي تهمة يُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 6 سنوات. وبعد أسابيع، أُلقي القبض على سائح دانماركي في كوالالمبور لنشره مقطع فيديو على "يوتيوب" زعم فيه أن الشرطة استغرقت أكثر من ساعة للوصول إلى مكان حصل فيه إطلاق النار وشهد وقائعه. 

وفي 30 نيسان، حُكم عليه بالسجن لمدة أسبوع. وكان يمكن أن يبقى فيه شهراً اضافيا في حال لم يدفع غرامة مالية تبلغ 10 آلاف رينجت (2550 دولاراً) أُمِر بدفعها كعقوبة إضافية، وفقاً لـ"لجنة حماية الصحافيين".


في مصر، حيث تم حظر الأخبار الزائفة منذ فترة طويلة، ازدادت في الأشهر الأخيرة الجهود لمعاقبة مراسلين واحتجازهم بتهمة الأخبار الزائفة. في آذار، قُبض على الصحافيين المستقلين مي الصباغ وأحمد مصطفى بتهمة اخبار زائفة في الإسكندرية خلال اعدادهما تقريرا عن "الترام" في مصر. كذلك، اعتقل خيري رمضان، وهو مقدم برامج تلفزيونية شهير في آذار ايضا، بتهمة "نشر أخبار زائفة ضد قوات الشرطة". اعتبارًا من 1 كانون الأول 2017، سُجن ما لا يقل عن 7 صحافيين بتهم أخبار زائفة في مصر، وفقًا للجنة.  


في ألمانيا ، أثار قانون "مكافحة خطاب الكراهية" مخاوف بشأن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي. في 1 كانون الثاني 2018، دخل قانون يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي (يعرف اختصارا باسم نيتس دي جي) حيّز التنفيذ في ألمانيا، مما تطلب من مواقع الشبكات الاجتماعية إزالة كلام يحض على الكراهية أو أخبار زائفة أو مواد "غير قانونية في شكل واضح" في غضون 24 ساعة من التحذير. وإذا فشلت في القيام بذلك، فإنها تخاطر بمواجهة غرامة كبيرة تبلغ 60 مليون دولار. أحد أوّل الأهداف التي استهدفها القانون الجديد، مجلة "تايتنيك" الألمانية الساخرة. فقد تم حجب حسابها على "تويتر" ليومين، مباشرة بعد إعادة نشرها تغريدة تحضّ على رهاب الاسلام، نشرها في البداية سياسي ألماني محافظ، ثم عمد "تويتر" الى حذفها في وقت لاحق.  

وفي وقت يدّعي مقترحو القانون أن القوانين تهدف إلى مكافحة انتشار المعلومات المضللة، حذّر مناصرو حرية الصحافة من أن الحكومات استخدمت هذه القوانين لقمع الصحافة المشروعة. ووفقا لرادش، خلّفت هذه القوانين "حكومة قمعية مع مجال واسع للإساءة".

وتقول: "نشهد المزيد من هذه القوانين حول (الأخبار الزائفة)، خصوصا في البلدان التي تفتقر إلى حماية وسائل الإعلام". واعتبرت ان "ما تفعله هذه القوانين فعلاً هو تقييد التقارير (الصحافية) المستقلة والنقدية".


كل هذه القوانين تراقبها "آيفكس"، وهي منظمة غير ربحية، مقرها تورونتو، وتدافع عن حرية التعبير. وتقول مديرتها التنفيذية آني غايم: "يعلمنا في كثير من الأحيان أعضاؤنا في مختلف أنحاء العالم، والذين يشعرون بقلق تجاه كيفية استخدام الحكومات اتهامات أخبار زائفة ضد وسائل إعلام مستقلة". وتضيف: "عندما تترجم هذه الاتهامات إلى قوانين جديدة وغامضة في كثير من الأحيان، فإن هذا الامر يخلق مناخاً من انعدام الأمان وعدم اليقين، بحيث يشعر جميع الصحافيين بأمان أقل. حريتهم في مساءلة أولئك الذين في السلطة يتم خنقها".  


ورغم أن عددًا من الحكومات الأخرى حاولت تقديم تشريعات تتعلق بالاخبار الزائفة، إلا أن هذه المحاولات لم تكن كلّها ناجحة. في الهند، أصدرت وزارة الإعلام والإذاعة بيانا قالت فيه إنها ستعاقب الصحافيين الذين ينشرون أخبارا زائفة عبر وضعهم في القائمة السوداء وإلغاء أوراق اعتمادهم. غير ان هذا القرار صمد 24 ساعة فقط، قبل أن يُسحَب بعد غضب عارم عبّر عنه الصحافيون وغيرهم من الشخصيات السياسية في البلاد.  


في جنوب أفريقيا، أعلنت المحكمة الدستورية في ليسوتو أن التشهير الجنائي غير دستوري بعدما اتُّهم صاحب صحيفة "ليسوتو تايمز" بتهمة التشهير، و"كرايمن إينجورا" بسبب عمود ساخر نشرته عام 2016. وخلصت اخيرا المحكمة إلى أن القوانين الجنائية المتعلقة بالتشهير لها تأثير "مخيف" على حرية التعبير في البلاد. 


وفي الولايات المتحدة، قدّم اخيرا السيناتوران الديموقراطيان ريتشارد بلومنثال وبوب مينينديز مشروع قانون لحماية الصحافيين، الامر الذي يجعل الإساءة الجسدية اللاحقة بهم جريمة فيدرالية. ويأتي ذلك بعد وقوع عدد من الحوادث تعرض خلالها صحافيون لاعتداء جسدي خلال ممارستهم عملهم. احد آخر الحوادث شهده الاسبوع الاخير من ايار، وتمثل في إخراج أحد مراسلي وكالة "أسوشيتد برس" قسراً من مبنى أثناء تغطيته حدثا عاما مع سكوت برويت. مشروع القانون هذا يهدف الى مكافحة الاعتداءات الرامية إلى "تخويف أو عرقلة" جهود الصحافيين في جمع الاخبار.  


في نهاية المطاف، "السباق للسيطرة على وسائل الإعلام سباق إلى القاع، سباق يخسر فيه الجميع"، في رأي غايم. "الديموقراطية تعتمد على تنوع الأصوات والآراء. وهذا هو السبب الذي يجعل المواطنين في كل مكان يقفون ضد هذه القوانين المضللة".